الأحداث تتكرر بصور كربونية عبر الزمن، فقبل أمس الثلاثاء توفيت الطالبة فاطمة محمد عواض، وأصيبت 28 طالبة ومعلمة بإصابات متفاوتة؛ نتيجة سقوط مظلة في المدرسة الثانوية للبنات بقطاع الريش التابع لإدارة تعليم محايل عسير، حيث أوضح المتحدث الإعلامي لصحة عسير أن 4 حالات حرجة، و5 إصابات بها كسور وجروح في الساق واليدين، و17 إصابة لديها جروح وكدمات وهلع وخوف.

نعم، هي حادثة تلتحم في جراحاتها مع الجراحات الدامية المتكررة، فما بين كارثة "بنات مكة" و"براعم جدة" عقد من الزمن، وما بين كارثة براعم جدة وبنات محايل عسير نصف عقد، لتكون الحسبة 15 عاما ونحن ندور في رحى الفساد ذاته، ونتخبط في دوائر الشكوى ذاتها، ونحنّ ونئن لذات الحلول القريبة البعيدة، الممكنة والمستحيلة. وكلما حضرت كارثة جديدة، كالكارثة الأخيرة، نكأت جراحنا وبعثتنا من مراقدنا نتساءل ونشتكي، نحلل ونفسر، نرفع الحلول ونعقد العزائم، وما هي إلا أيام قليلة، حتى ننسى.

في الدول المتقدمة، والتي هي ليست بمأمن من الفساد الذي هو ظاهرة إنسانية جينية على ما يبدو، يتحدث الناس بوضوح عن مكامن الفساد ويتربصون بها، ويتعاملون مع المسؤول معاملة "أنت مذنب حتى تثبت براءتك"، إذ بمجرد اشتمام رائحته، تخلق فضيحة ما بعدها فضيحة، فيتراكض الناس صوب المسؤول، "واللي ما يشتري يتفرج".

اللجنة التي وجه بتشكيلها وزير التعليم للوقوف على حادثة سقوط المظلة لن تعيد فاطمة إلى أحضان أسرتها، لكنها ستكشف الإهمال في تطبيق قواعد السلامة في المدارس، وبرأيي أن إهمال تطبيق مثل هذه القواعد يكاد يكون مشتركا بين أكثر من جهة. مدير التعليم أكد أن حادثة سقوط المظلة التي تبلغ مساحتها 100م مربع تقريبا وقعت نتيجة تجمع الأمطار والرياح الشديدة التي شهدها الموقع، وهذا يعني بكل وضوح تأخر صيانة المدارس، خاصة بعد سقوط الأمطار والرياح الشديدة، وهو يرجع إلى عدم وضع خطة مسبقة للعمل على صيانة المدارس، إلى جانب ضعف الرقابة، والتهاون من بعض المسؤولين والمشرفين على إدارات الصيانة بقطاع التعليم، مديرية الدفاع المدني مسؤولة هي الأخرى عن تطبيق اشتراطات السلامة على جميع مدارس البنين والبنات بالمنطقة، السؤال: متى كانت آخر زيارة للدفاع المدني لهذه المدرسة؟ هل هناك تكثيف للزيارات أيام سقوط الأمطار والعواصف الشديدة؟ والسؤال الأهم هنا: هل هناك عقوبات واضحة ومحددة للمؤسسة الصانعة للمظلات؟ من هم الموظفون الذين أرسوا المناقصة عليها؟

في الحقيقة إن نظام المناقصات وترسية العقود على الأقل سعرا، نظام غير ذي جدوى، لأن المقاول يحاول أن يكسب على حساب الخدمة المقدمة والصيانة، إلى جانب عدم وجود عقود واضحة ودقيقة لا تسمح بالتلاعب وضعف الرقابة على المقاول المنفذ.

أخيرا أقول: المسؤول بكل بساطة ووضوح عما حدث ليست المظلة وحدها، بل هم بضعة موظفين وقعوا بأسمائهم الصريحة على إرساء هذه العقود.