على الرغم من الجهود التي بذلتها الإدارات الأميركية الثلاث التي تعاقبت على حُكم الولايات المتحدة، في إيمانها بالديمقراطية الليبرالية، واتخاذها دعم الديمقراطية في دول العالم حجر أساس لسياساتها الخارجية، إلا أنها لم تُسفر عن نتائج مُرضية، إذ أصبحت في تراجع مستمر بسبب انتكاس أوضاع رُبع الدول الديمقراطية في الـ30 عاما الماضية. والنجاحات المحدودة، مثل إنهاء الحكم العسكري في "ميانمار"، يُقابلها كثير من المحاولات الفاشلة، في ليبيا واليمن والعراق، والتراجُعات في تركيا، وروسيا، وبولندا وغيرها من الدول.

ظن البعض أن الواقعيين السياسيين لا يكترثون لكون نظام الحُكم ديمقراطيا من عدمه. فإيمانهم أن القوة النسبية واحتياجات الأمن أهم عادة من الضغوطات باتجاه الديمقراطية. لا ننفي وجود أسباب قوية لتفضيلهم الديمقراطية، مع وعيهم الكامل بمخاطر التحولات الديمقراطية. فالديمقراطيات المستقرة تحمي حقوق الإنسان، وتضمن محاسبة المسؤولين ومرتكبي الجرائم، وهو ما يجعل ارتكاب جرائم قتل الحكومات الجماعي لأبناء الشعب أقل احتمالا بكثير. صحيح أن الحكومات الديمقراطية تشن كثيرا من الحروب، لكن احتمالية أن تشن حكومة ديمقراطية حربا ضد ديمقراطية أخرى واهية للغاية.

ولهذه الأسباب مجتمعة، نجد أنه من الأفضل أن يزداد عدد الديموقراطيات في العالم، لكن السؤال هو: كيف نفعل هذا؟

بالتأكيد ليس التدخل العسكري وسيلة ناجحة، إذ فكرة أن تحرك الولايات المتحدة قواتها، وتُزيح المستبد وعصابته من الحُكم، وتكتب دستورا جديدا وتُجري بعض الانتخابات، لتُنتج ديموقراطية مُستقرة في النهاية، تُعد وهما خدع كثيرا من الأشخاص الأذكياء، على الرغم من كثرة الأدلة على فشل هذه الفكرة.

أما الأسوأ، فهو جهل المحتلين بطبيعة الشعب المُحتل مما يُصعِّب عملية اختيار الأصلح لإدارة شؤونهم من السكان المحليين. كثيرا ما يذهب الدعم المخصص لمساعدة الحكومات الناشئة هباء بسبب الفساد، ويتسبب في تشويه السياسات المحلية بطرق غير متوقعة.

الأمر الآخر الأهم، هو أن تبدأ الولايات المتحدة بنفسها، وتُعلي قيم الديمقراطية على أرضها أولا، ليسعى الآخرون إلى أن تكون مجتمعاتهم عادلة، ومنعّمة، ومتسامحة كالمجتمع الأميركي.

وبالنظر إلى الوضع الحالي للمجتمع الأميركي الذي يتفشى فيه انعدام المساواة، ويتصدر مشهده السياسي رموز جعجاعة تفيض بكراهية الآخر، وبه أكبر عدد من المساجين في العالم، وتتداعى بنيته التحتية، وبالنظر إلى ملايين المواطنين المؤهلين المحرومين من التصويت، والقلة من الأغنياء المتحكِّمين في السياسة الأميركية، فإنه من غير المحتمل أن تسعى الحكومات الأخرى إلى النموذج الديمقراطي الذي تقدمه أميركا، أو تجده جذابا، خصوصا إن أضفنا انتهاكات "جوانتانامو" و"أبو غريب"، والتعديات على الحريات الشخصية من وكالة الأمن الوطني.

إن بناء وطن أميركي أفضل، ربما يكون الوسيلة الأفضل، لدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، بدلا من التدخلات العسكرية الفجّة، التي تكلف ملايين الدولارات، وآلاف الأرواح.

ربما يكون التزام الولايات المتحدة بمبادئها على أرض الوطن أسهل، وأكثر تأثيرا، من محاولات فرض الديمقراطية بالقوة في أفغانستان مثلا، والفشل في ذلك لعقود طالت، وربما تطول.