لا سبيل إلى نجاح أي عمل بمجهود فردي، أو بقرار فوقي من دون التحام بين القيادة والعاملين والعاملات في إدارات الوزارة ومكاتبها، بدءا من مكاتب الوزارة في الديوان العام، وانتهاء إلى أبعد مكتب ناء في الوزارة.

فحين يدرك موظف الوزارة أنه والوزير سواء، وأنهم جميعا شركاء وطن وأصحاب رسالة وأمانة وطنية، حينها سنجد أنفسنا أمام معادلة عمل جديدة، ما من شك في أنها ستكون مختلفة تماما، وستكلل بالنجاح، لأن من شأن هذا القرب وهذه المعايشة وهذا الحراك الميداني الدائم والدؤوب للمسؤول، أن يصفي النفوس من أي عوالق مرضية، ويؤصل لشعور عام بالعدالة، ويبث روح التعاون، ويؤصل لثقافة العمل الجماعي، وبالطبع يكشف أي تهاون أو استهتار أو تلاعب، لأن المسؤول في هذه الحالة يرى بعينيه، لا بعيون المحيطين به، أو من خلال التقارير التي ترفع إليه عن واقع قد لا يكون مطابقا لما ورد في هذه التقارير.

وحتى لا يكون حديثي هذا مرسلا، فلعلي أستدعي من الذاكرة أكثر من مشهد جمعني بإخوة أفاضل، عملنا معا إبان عملي في الوزارة، وكانوا مضرب مثل للتفاني والإخلاص والالتزام في العمل.

وقبل هذا وبعده، كانوا مثلا حيا للإنسان السعودي الحقيقي، وليس هذا الإنسان الذي يشوه في كل مجلس بادعاءات باطلة لا تعبر عن حقيقته النقية التي أعرفها، والتي عاينتها، فجميع من شاركوني تحقيق منجزات كبرى مبكرة للقطاع الصحي في بلادنا إخوة سعوديون وأخوات سعوديات، اضطلعوا بواجبهم تجاه ملف الصحة في بلادهم بأمانة واقتدار ودأب، فلم يكن لما يروج له حول أبنائنا من أنهم كسولون أو متواكلون أو غيرها من أوصاف باطلة أي مجال، فأبناء هذا الوطن على مستوى من الوعي والشعور بالمسؤولية والانتماء فوق ما يتصور كثيرون ممن يخوضون في حقهم دون خبرة ومعايشة.

أما بالنسبة لي، فمن واقع خبرة ومعايشة، أدركت أن مفاتيح العاملين السعوديين في المجال الصحي الذي أتحدث عنه على سبيل الخصوص، تكمن في العمل معهم وبينهم، وتغذية روح العمل الجماعي فيهم، ولن يكون ذلك إلا بمشاركتهم العمل داخل المشروعات، وذاك الذي يدفع أحدهم ليقدم أفضل ما عنده حين يرى الوزير يقف إلى جانبه ويداوم معه تقريبا في المشروع الذي يعمل فيه، أو على الأقل يتردد عليهم بين حين وحين، ليعاين بنفسه ما يتم من منجز، ويشهد معهم تحقق أحلامهم واكتمالها مرحلة بمرحلة.

وإنني أشهد الله على أن إخوتي العاملين والعاملات الذين عملت معهم في فترة بالغة الأهمية من حياتي العملية، وأيضا بالغة الأهمية في مسيرة الصحة في بلادنا، كانوا جميعا بالغي الحرص على أداء عملهم بجودة وإتقان وتفان وأمانة والتزام، وحب، والأخير هذا لا أذهب بعيدا حين أقول إنه الأهم من بين جميع ما سبقه من مواصفات، لأن حب الموظف لعمله ضمانة أساسية لاكتماله على النحو الذي يخدم أهداف بلادنا التنموية.

لقد كنا نعمل معا جميعا بروح الفريق الواحد، الجميع همهم الارتقاء بالعمل الصحي في بلادهم إلى أعلى مستوى ممكن من الجودة، الجميع همهم الارتقاء بالمرافق الصحية لبلادهم، لا فرق في ذلك بين مسؤول كبير وموظف صغير، فالجميع هدفهم خدمة المريض، ولا يرجون إلا الثواب من الله عز وجل.

كنا نواصل الليل بالنهار، ولا أذكر أن أحدا منهم تذمر من ضغط العمل، بل كان الجميع يتسابقون إلى العمل، ولم يكن بالعمل الهين بالمناسبة، فلقد كنا نجوب المملكة طولا وعرضا، ليلا ونهارا، والجميع مستمتعون بالعمل.

ويحضرني من ذكريات ذاك الزمن النبيل موقف لا يغيب عن ذاكرتي، عندما كنا في الجمرات في منى، وكان معي جميع أركان الوزارة يتفقدون الحجيج، وحدث أن اشتد الزحام على الجميع، وكاد الكل يهلك في وقعة تدافع مشهودة، لولا لطف الله تعالى، ولقد أدرك الجميع وقتها دنو الموت المحقق منهم، لولا أن الله سلم، فلم يتذمروا أبدا، أو يلوموني لأنني عرضت حياتهم للخطر، بل أصبحوا بعد الحادثة يتبادلون النكات والضحكات بكل أريحية وهم يستدعون اللحظات الحرجة التي مرت بهم، وهم يشرفون على الهلاك.

لقد وجدت من إخوتي السعوديين في الوزارة مواقف ومشاعر ومآثر لا أنساها، وسأشهد لهم بها ما حييت، وجدت الأمانة ومخافة الله عز وجل، وجدت الدراية الكافية والخبرة بعمل الوزارة، بالطبع لا أنزههم أو أنزه نفسي عن الخطأ، فالكمال لله عز وجل، لكن القوم كانت أخطاؤهم إذا قيست بصنائع معروفهم لا تكاد ترى.

وإن كثيرا من هذه الكفاءات التي خبرت إخلاصها وكفاءتها، ما زالوا على رأس العمل في وزارة الصحة، وما من شك في أنهم أدرى بشعابها، وبما تحتاج إليه، وبالطريقة المثلى لتحقيقه.

لذا، فنصيحتي لمن يتولى مهام وزارة الصحة أن يضع يده في أيدي أبنائها حتى يستطيع الارتقاء بالعمل الصحي، ففي الوزارة كفاءات عالية وخبرات عديدة، أرجو الاستفادة منهم، فلا أتصور أن بوسع أحد أن يرتقي بالعمل الصحي في الوزارة دون الرجوع إلى أبنائها والاستعانة بخبراتهم.

ولعلي أدلل على حديثي هذا عن وفاء أبناء وزارة الصحة بتلك الوقفة الكبيرة التي أهدت إلى الوطن أحد أكبر الصروح الطبية والتعليمية، مدينة الملك فهد الطبية، إحدى ثمار ذاك الزمن النبيل، فعندما وجهني الملك عبدالله -رحمه الله- بتقييم وضع مدينة الملك فهد الطبية، ثم البدء في الانتقال إلى المدينة، جلسوا معي شهرا كاملا دون انقطاع ودون كلل أو ملل، وصلوا الليل بالنهار حتى أنجزوا عملية الانتقال إلى المدينة والعمل بها بكل سلاسة، ولعله يجدر بي في هذا المقام أن أحيط الجميع علما بأنها المدينة التخصصية الوحيدة التي أنشأها أبناء وزارة الصحة، دون الاعتماد على أي عنصر أجنبي واحد، ولقد أصبحت ولله الحمد معلما يقصده الجميع، بفضل الله ثم بفضل سواعد أبناء الوزارة الأكفاء الأوفياء.