تخيلوا كيف يكون الوضع لو أننا طبقنا النص الحرفي للرأي الذي يحرم عمل المرأة في بيئة ليست فيها خلوة؟ سوف أنقل ثلاثة حجج للأصوات المعترضة على هذا الرأي . الأولى، أن تحريم عمل المرأة هو محل خلاف فهناك علماء كُثر في العالم الإسلامي لا يحرمونه إذا كان بدون خلوة، وبالتالي فإن المطالبة بتطبيق رأي واحد يعد ضد مبدأ الاجتهاد في الإسلام. الثانية، أن حيثيات التحريم لم تتضمن نصاً واحداً صريحاً يحرم عمل المرأة في البيع والشراء. الحجة الثالثة أن هذا الرأي بُـني على نتائج احتمالية لو سلمنا بها، فسوف تثير الشك في النفوس في مجتمعنا تجاه النساء.

دعوني أرسم صورة مستقبل المجتمع لو أقصينا النساء منه. وعلي أن أبدأ بالقول إن منع المرأة من العمل سوف يضر بالنساء بداية وقد يشجع الناس على الامتعاض فيرفعوا صوتهم قائلين (ألم تقدروا إلا على الضعفاء). لذلك أسأل الذين يحرمونه: هل تقدرون على المطالبة بمنع ظهور المرأة في التلفزيون والإذاعة؟ إن لم ينادوا بذلك فهو أمر يدعو للاستغراب، لأننا لم نسمع في هذه الأيام اعتراضاً إلا على عمل المرأة بائعة في السوبر ماركت!

الآن بدأت أخشى من تخيل اكتمال رسم الصورة لعدم وجود مثيل لها في أي بلد إسلامي آخر. فلو طبقنا قياس التحريم في مسألة عمل المرأة في السوبر ماركت على بقية مناشط الحياة، فلن تختفي المرأة وتجلس في البيت فقط ولكن سوف تتأثر دورة المصلحة العامة. ففي جانب واحد فقط على سبيل المثال، إذا أردنا إنشاء مستشفيات للنساء فلن نجد لها كوادر طبية نسائية تكفي جميع التخصصات. وحتى تخصصات الولادة، فأعداد الأخصائيات لا يتناسب مع أعداد النساء ولا يغطي أعداد الولادات.. وماذا عن بقية التخصصات؟

لإكمال أوجه القياس تخيلوا معي هذه التناقضات: سوق النسوة، مستشفى العليلات، مطعم المعزولات، طائرة النسوان، لا اختلاط، اختلاط الخادمات، لا كاشيرات للنساء، كاشير رجالي للنساء، المرأة لا تبيع ملابس داخلية للنساء، الرجل يبيع ملابس النساء الداخلية! ولإكمال باقة التناقضات لدي سؤال واحد: من يتولى تمريض هؤلاء في المستشفيات؟ خاصة أن معظم الكوادر التمريضية والفنية في مستشفيات العالم من النساء، ونحن نسمع أن بعضاً منهم قد سافر إلى الخارج للعلاج!