من فضل الله علينا توفر مكبرات الصوت في المساجد، ذلك لأنها تبلغ صوت المؤذن في الأذان والإقامة إلى بيوت جماعة المسجد، وتبلغ صوت الإمام في التكبيرات والقراءة إلى المأمومين ولو كان عددهم بالمئات والألوف، والناس في قبولها على ثلاثة أصناف، طرفان ووسط:

الصنف الأول: يرفضها بالكلية، ويرى عدم الحاجة إليها، وقد يطالب بعدم استعمالها، لأسباب واهية أو لأسباب أخرى قد تكون وجيهة إلا أن رفضها والمطالبة بعدم استعمالها فيه شطط وميل عن الصواب، فصوت المؤذن ينبغي أن يصل إلى جميع البيوت المجاورة له، ليجيب أهلها النداء، ولأنَّ الأذان شعيرة من شعائر الإسلام الظاهرة.

الصنف الثاني: صنف بالغ في استعمال هذه المكبرات، فكثّرها تكثيرا زائدا عن الحاجة، وبالغ في شراء الأجهزة الباهظة الثمن، طلبا لنقاء الصوت أو لتفخيمه، وطلبا لمؤثرات صوتية محسِّنة، فيرفع صوت تلك المكبرات رفعاً يشوش فيه على المصلين في المساجد المجاورة، أو يرفع المكبرات الداخلية رفعا يكون فيه إزعاج للمأمومين، فيسلبهم الخشوع ويتأذى منه جمع من المصلين، وقد يشتكي بعض جماعة المسجد للإمام والمؤذن من هذا الأمر، إلا أنهم لا يجدون استجابة، مما يضطر بعضهم إلى الصلاة في المساجد الأخرى ولو كانت بعيدة، وعليه فإن المبالغة في رفع مكبرات الصوت أكثر من الحاجة أمر مرفوض، خرج بها عن قدر الحاجة المطلوبة إلى المبالغة المذمومة.

الصنف الثالث: صنف وسط تجاه هذه المكبرات، فاستعملها بقدر الحاجة في إسماع جيران المسجد والمأمومين فحسب، ولم يبالغ في شراء الأجهزة الصوتية، فاشترى المتوسط منها الذي يحصل منه المراد وترك الرديء والمبالغ فيه، وكلما كان جهاز الصوت خاليا من المحسنات الصوتية ومن الصدى كان أفضل.

وخلاصة القول: إن مكبرات الصوت في المساجد لها فائدة كبرى، وهي من نعم الله علينا، فالمبالغة فيها خطأ، وإهمالها والمطالبة بعدم استعمالها خطأ كذلك، ولا يعالج الخطأ بالخطأ، والواجب التوسط في استعمالها، فلا مبالغة ولا إهمال يخرج عن المقصود منها.