ثمة حاجة لتذكير المتفاوضين في الكويت، ومن قبلهم دول مجلس التعاون وقوات التحالف ومجلس الأمن والأمم المتحدة بأن هناك مدينة في شمال اليمن تحت الحصار الخانق والمطبق منذ ما يقارب العام من قبل ميليشيات الحوثي صالح التي تطوق المدينة من كافة مداخلها.

تعز يا هؤلاء يقتل المدنيون فيها بشكل هستيري بربري بشع عبر قذائف الموت التي اخترقت الهدنة منذ يومها الأول، فيما المبعوث الأممي ولد الشيخ ما زال يحاول إقناع ممثلي تلك العصابات بترتيب جدول الأعمال الخاص بالمفاوضات في دولة الكويت الشقيقة.

يشتد الخناق حول الانقلابيين في مناطق المواجهات فيشدون "العقدة" أكثر حول نساء وأطفال تعز المدينة التي يصفها أهلها بالحالمة، ولعمري أنها أصبحت كذلك، في ظل الواقع المرير الذي يعانيه أبناء المدينة وتنقله لنا القنوات التلفزيونية وصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة.

يحلم أبناء المدينة التي يقارب تعداد سكانها ستة ملايين نسمة بأن تعود مدينتهم إلى سابق عهدها كإحدى أهم المحافظات ذات الطابع المدني الذي ميزها عن سائر مدن اليمن قبل أن يٌجبر أبناؤها على حمل السلاح لمواجهة العصابات التي حاولت اجتياح مدينتهم بالقوة كما فعلت مع كافة محافظات اليمن.

أقصى ما حققته الميليشيات هناك حصار المدينة من طرفيها الشرقي والغربي، وسفك الدماء التي لم ولن تقف إلا مع خروجها ورحيلها إلى حيث أتت، مع تكيف الناس على الحصار الذي تطبقه الميليشيات على المدينة واستعدادهم الكبير للمقاومة حتى آخر لحظة بحكم الثقافة التي يحملها أبناء المدينة.

تمطر المدينة بكافة أنواع القذائف العشوائية ليلا ونهارا، وتنقل لنا القنوات صورا حزينة لضحايا في عمر الزهور، ولا يمر يوم إلا يزداد معه سجل المدينة من الجرحى والشهداء، معظمهم من الأطفال الذين لا ذنب لهم إلا أنهم من أبناء المحافظة التي اجتثت شجرة صالح الخبيثة من منابتها فكانت رمزا وأيقونة للثورات اليمنية على مر التاريخ.

تدرك عصابات الحوثي صالح جيدا إمكانية بسط نفوذها في غالبية مناطق الشمال باستثناء تعز التي خرجت عن بكرة أبيها لتقول لتلك العصابات "لا"، وبالتالي كان لا بد من أن تغرق المدينة في نهر من الدماء عبر سلسلة من الصراعات التي تتنامى معها الجماعات المتطرفة والمتشددة لتحول المدينة الثقافية إلى ولايات متناثرة تتنازع فيما بينها.

طالعنا وسمعنا حكايات مفزعة عن صراعات داخلية وتصفيات دون محاكمات بين جماعات تنضوي جميعها تحت لواء المقاومة، وهذا الوضع إن استمر فهو ينذر بكارثة مستقبلية ربما تكون أشد مما قد يتخيله البعض، لا سيما أن المستفيد الأول مما يحدث تلك العصابات التي تطوق المدينة.

تحتاج تعز إلى تدخل فوري لإنقاذ أبنائها الذين يذبحون بسلاح "الجهل" للجماعات المتطرفة التي تتنامى بشكل خلايا نائمة ربما تنزع الهوية المدنية عن المدينة مستقبلا، كحاجتها مسبقا لتدمير السلاح الثقيل الذي يضرب سكان المدينة من أطرافها المترامية دون رحمة.

تعز لا بد أن تحظى بأولوية لدى قوات التحالف والحكومة الشرعية لتحريرها من عصابات الحوثي صالح وتحريك بعض القطع العسكرية التي ذهبت باتجاه المحافظات الجنوبية وأكملت مهمتها بنجاح، ولن تكون المدينة الحالمة عصية على ذلك متى ما حانت لحظة الصفر.