مهما أحدثت من تغييرات.. ومهما أقمت الأبنية والمنشآت الفخمة، واستوردت الأجهزة الضخمة، وتعاقدت مع شركات وبيوت الخبرة، فإنك ما لم تغيّر الإنسان، وفكر الإنسان، وتعزز قيمة النظام والانضباط من حوله، فكل ما تفعله لا قيمة له مطلقا..

إن لم تكن قادرا على تعزيز وفرض النظام فدع الحياة تسير بشكل بدائي؛ لربما كان أفضل لك، وأوفر في التكلفة!

أمامي حادثتان هذا الأسبوع.. الأولى نقلتها لنا الصحف، والأخرى كنت شاهدا عليها..

الأولى حدثت في مطار الملك خالد بالرياض، حينما اشتبك بعض الركاب مع أحد موظفي الخدمات الأرضية، وتحول المطار، بأجوائه الجميلة، وهدوئه الأخّاذ، إلى حلبة مصارعة وصراخ وشتائم وفوضى!

النقطة الثانية، كنت شاهدا عليها في صالة الوصول الدولي في مطار حائل ظهر أول من أمس، حيث انتظمنا في الطابور أمام موظف الجوازات، فقام مجموعة من المسافرين بتجاهل الطابور وتقدموا له، وقد رحب بهم وقدمهم على بقية الواقفين في الطابور في مشهد غير حضاري مطلقا.. وحينما انتقدت هذا الموقف أمام المشرف على الجوازات اعتذر مني -بينما لم تكن مشكلة شخصية حتى يعتذر مني-! وقام بتقديمي لموظف آخر.. وكان علاج مشاكلنا هو تبريدها لا علاجها فورا. أنا لا أعفي الموظف حينما يعلل الفوضى، ويلقي باللائمة على الضغوطات الاجتماعية.. الحل بيد الموظف نفسه.. قيمة الإنسان تنبع من ثقته بنفسه، وإقدامه وصبره حتى يحقق ما يريد!

لا ينبغي أن تطغى أي اعتبارات أخرى على النظام حتى لا تختل موازين العدالة.. بل لا ينبغي مطلقا أن نسمح لأي اعتبارات -مهما كانت- لتصبح عقبة أمام سيادة القانون.

قد لا تبدو هاتان الحادثتان ذواتي أهمية لدى البعض، لكنهما مؤشر واضح إلى أن هناك من لا يهتم بالنظام ولا يعترف به أصلا.. هؤلاء الذين يتعاركون ويكسرون النظام ويحدثون الفوضى، لو شاهدت انضباطهم خارج البلد لأدركت أن النظام هو جوهر الحكاية!

لو أدركوا أن القانون والنظام في بلادنا هما المسطرة الوحيدة التي يقفون أمامها لاختصرنا مسافات كثيرة في مسيرة التنمية.. لكنّ كثيرا مما يدور حولنا يسير عكس ذلك.. ومع كل موقف تزداد كمية الإحباط.