يوماً بعد يوم يتكشف من الحقائق المبهرة ما يجعل ثقتنا تزداد بحكمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، القائد الوطني المخلص الذي تخرجت في مدرسته الإدارية إبان وجوده في إمارة الرياض، وإدارتي لصحة الرياض، ثم تسلمي مهام الوزارة. فعلى مدار أعوام طويلة كان –حفظه الله- بالنسبة إلي وإلى جميع من عملوا معه المعلم والقدوة والقائد الملهم في دروب العمل من أجل مستقبل أجيال الوطن وليس لسد احتياج أو عجز قائم وحسب.

كنت أظن أنني تلقيت حصة كافية من الدروس على يدي الملك سلمان حفظه الله منذ ذاك الزمن، لكنه بعد تسلمه مقاليد الحكم في البلاد، قدم لي وللشعب كله درساً جديداً فريداً في الإيمان بطاقة الشباب وقدرتهم على ارتياد آفاق جديدة للمستقبل، هم وحدهم القادرون على رؤيتها لأنهم أقرب إلى الأجيال واحتياجاتها وأقدر على دفع عجلة التنمية والرخاء بسواعدهم القوية، وقد نهلوا من حكمة الكبار وخبروا من خبايا الحكم ما يعصم تجربتهم من الشطط أو الزيغ، فكانت النتيجة سياسات طموحة متطورة مستشرفة للمستقبل مع حماسة مغلفة بالحكمة.

ولقد كانت مفاجأتي عظيمة حين اطلعت على إستراتيجية وزارة الصحة ضمن الرؤية الشاملة للمملكة حتى العام 2030 فوجدت نسخة من مشروع "بلسم" الذي وضعته في آخر سنوات عملي في وزارة الصحة وحالت الظروف دون خروجه إلى النور، فتركته مشروعاً للمستقبل احتفظت بنسخة منه في أدراج وزارة الصحة، ونسخة في أدراج مجلس الوزراء، على أمل أن يأتي اليوم الذي يكتشفه أحد المسؤولين، ويدرك أهميته من أجل نهضة صحية شاملة يتفيأ ظلالها أبناء هذا الوطن.

والحمد لله يبدو أن أحدهم التفت إلى مشروع (بلسم) الذي طالما لفتُّ النظر إليه في كتاباتي، وخاصة في كتابي (لكم وللتاريخ) الذي صدر قبل أعوام عن دار مدارك، وحظي باهتمام واسع من إخوتي وأحبائي أبناء هذا الوطن الذين غمروني باهتمامهم ومحبتهم، في مشهد التفاف حول سيرتي كان بالنسبة إلي وساماً وضعه من وصلت الليل بالنهار في العمل من أجلهم.

إنني أشكر للقيادة الحكيمة مجسدة في هذا الأمير الفذ سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، راعي ملف التحول الوطني، تحريكها للمياه الراكدة في كل اتجاه، ودفعها المسؤولين لتقديم إستراتيجيات حقيقية واقعية قابلة للتنفيذ من شأنها وضع حلول جذرية لكثير من أزماتنا، والدخول ببلادنا عقداً جديداً من النماء والبناء والتحقق، فكان من ثمار هذه السياسة الطموحة أن وقعت أيدي الإخوة في وزارة الصحة على خطة مشروع (بلسم) الذي كان حلم الفقير إلى عفو ربه حمد المانع لأبناء وطنه، فلم أتصور يوماً أن لدي هدية لأبناء وطني يمكن أن أقدمها لهم أثمن من هذا المشروع الذي أصبح اليوم حقيقة متجسدة على الأرض، في مفاجأة بعثت الأمل في النفس من جديد، وزادتني يقيناً أن بلادنا تتقدم على الطريق الصحيح بمفاهيم جديدة تتماشى مع مستجدات العالم، وتواكب تطلعات شعبنا الكريم الذي أدرك مبكراً قيمة الالتفاف حول القيادة، وأهمية الوحدة الوطنية والتناغم مع القيادة السياسية في حراكها التنموي في مواجهة محاولات زعزعة الاستقرار التي تستهدف بلادنا بقوة، لكن هيهات هيهات.

ولقد ظل مشروع (بلسم) طوال سنوات عملي بالوزارة، وأيضاً بعد مغادرتي لها، ذاك الحلم الذي طالما كنت أتطلع لتحقيقه وأنا على رأس العمل، وطالما حلمت أن أغادر الوزارة وأتركه بصمة أخيرة لي في ذاكرة أجيال وطني، وكان تركيزي الكبير هو الحرص على هذا المشروع الذي استغرق مني وقتاً طويلاً في وضعه، ورسم ملامحه، لأن نفعه عظيم للناس، وكنت أرجو أن أغتنم ثواب هذا النفع عند ربي.

والحمد لله أخيراً فزت بثواب هذا المشروع الوطني عند ربي، فليس مهماً أن يتحقق وأنا في الوزارة أو خارجها، وليس مهماً أن يحمل اسمي أو اسم غيري، المهم أن يتحقق، لأن الاعتبار الأول للوطن ولأجياله دائماً، والأجر والمثوبة من الله وليس بالأمر الذي يحمل الإنسان له هماً، فهو اللطيف الخبير.

إن مشروع (بلسم) الذي عثر عليه الإخوة في أدراج وزارة الصحة أخيراً بعد أعوام من تركي العمل، وبعدما ظننت أن النسيان طواه للأبد، لم يأت من فراغ، بل كان ثمرة تفكير طويل، وسنوات أمضيتها في العمل الميداني محتكاً بكل كبيرة وصغيرة في مواقع الوزارة المختلفة في أقاصي القرى، حتى خرجت بهذا المشروع، فهو عصارة فكري الإداري، وخلاصة تجربة أعوام من العمل الدؤوب؛ وكان من المنطق أن يبدأ من أتوا بعدي من حيث انتهيت، وهو ما حدث، ولو متأخراً، لكن أن تـأتي متأخراً، خير من ألا تأتي، فالحمد لله الذي نفع البلاد والعباد بهذا المشروع الذي ربما كان لظهوره الآن وخروجه إلى النور حكمة، فتضمينه في إستراتيجية لوزارة الصحة وتقديمه لأمير جاد صاحب همة وعزم مثل سمو الأمير محمد بن سلمان، من شأنه أن يؤمن للمشروع من الجدية والاهتمام ما يكفل تحقيقه على الوجه الأمثل.

وتبقى الإضافة الكبيرة الحقيقية لهذا الوطن متجسدة في هذا القائد الشاب القوي الذي حرك الراكد، وأخرج المخبوء، ودفع بالجميع إلى أفق واعد للتنمية، يقوم على الإستراتيجيات الواعية القابلة للتطبيق، ويراهن على الجودة والعمل الجاد، والمحاسبة، فلا استمرارية لنجاح ولا تقدم من دون محاسبة.