تأكيداً للرسالة السامية لمملكة الإنسانية وبرعاية كريمة من أمير منطقة الرياض ومشاركة مميزة من أهل الخير، احتفلت الرياض الأحد الماضي بإطلاق مبادرة "لأجلهم" التي يقودها مركز فريق التأهيل الدولي برئاسة الأميرة نوف بنت عبدالرحمن بن ناصر آل سعود. ويهدف هذا المركز الخيري إلى دعم وعلاج وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة من أبناء المملكة والمقيمين، وبالتعاون مع أمهر الأخصائيين واستخدام أحدث أجهزة الطب التأهيلي في العالم.

ومنذ افتتاحه قبل 12 عاماً تركزت جهود الأميرة نوف على تحويل مركزها غير الربحي إلى شعاع أمل ومنبر مضيء للأنشطة الإبداعية ونقل أفضل التجارب العالمية لتجهيز وتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة. ويقوم المركز بتقديم خدمات الرعاية الصحية للمعوقين وتدريبهم للانخراط في سوق العمل أسوة بباقي أفراد مجتمعهم، وذلك للتأكيد على أهمية مشاركتهم الفعالة ومنحهم الفرصة ليكونوا قادرين على تحقيق التقدم والتنمية لوطنهم.

وبدعم مميز من وزارة الشؤون الاجتماعية ومساعدة أهل الخير في هذا الوطن المعطاء استطاع هذا المركز الخيري اليوم النهوض برسالته السامية، فوصل عدد المستفيدين من خدماته إلى 120 مواطناً ومواطنة و30 مقيماً، ليتم تأهيلهم ودمجهم في الأنشطة اليومية وكسر النظرة النمطية عنهم. كما يسعى المركز لفتح الفرص الاستثمارية لكافة المؤهلين وتثقيف المجتمع عن نجاحاتهم وحياتهم الإبداعية، خاصة أن الدراسات تشير إلى وجود ما يقارب 1.5 مليون من ذوي الاحتياجات الخاصة بالمملكة وبنسبة تصل إلى 7% من عدد السكان، وهي نسبة طبيعية مقارنة بالمعدل الدولي الذي يصل إلى 10%.

تقارير منظمة الصحة العالمية تشير إلى أن عدد المعوقين في العالم بلغ اليوم حوالي مليار شخص، 80% منهم في دول العالم الثالث والبلدان النامية، التي تشكل الدول العربية والإسلامية الجزء الأكبر منها. وطبقاً لتقارير منظمة العمل الدولية تنخفض نسبة المنخرطين منهم في سوق العمل بالدول النامية إلى 23% بينما ترتفع في الدول المتقدمة إلى 73%، ربعهم من النساء.

كما أوضحت تقارير المنظمات الدولية أن الإعاقة تأتي نتيجة لعدة أسباب، وترتفع نسبتها إلى 38% نتيجة الأمراض المعدية وغير المعدية، و20% بسبب سوء التغذية و16% نتيجة الحوادث، و15% نتيجة أسباب خلقية ووراثية، و8% بسبب الإدمان على المخدرات و3% لأسباب أخرى.

أما التقرير الإحصائي لمركز الأبحاث في جامعة "كمبردج" البريطانية، فلقد أكد أن الإعاقة الرئيسية تنتشر بمعدلات مختلفة بين شعوب العالم، لترتفع نسبتها إلى 3.5% في اضطرابات الكلام و3% في صعوبة التعلم و2.3% في التخلف العقلي و2% في الاضطرابات السلوكية و0.6% في الإعاقة السمعية و0.5% في الإعاقة الجسدية و0.1 في الإعاقة البصرية.

ومع تزايد أعداد المعوقين في العالم بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة نتيجة التغيرات الديموجرافية في الحياة وتفشي الأمراض قبل وأثناء الولادة، بدأ الاهتمام الكبير بفئاتهم في المجتمع الدولي والمنظمات العالمية، فأصدرت الأمم المتحدة إعلان حقوق المعوقين في عام 1971، وأقرت معاهدة اليوم العالمي للمعوقين في عام 1981، لتؤكد في البند 27 منه على أن: "تعترف الدول الأطراف في المعاهدة بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل، على أساس المساواة مع الآخرين، ويشمل هذا الحق إتاحة الفرصة لهم لكسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحرية وفي بيئة عمل مفتوحة وشاملة تمكن من الوصول للأشخاص ذوي الإعاقة".

المملكة كانت وما زالت سباقة بين الدول العربية في اتخاذ العديد من التدابير التي من شأنها أن تعزز الحماية الاجتماعية للأشخاص ذوي الإعاقة وتحقيق الدمج الاجتماعي الكامل لهم. وقد نظمت المملكة تلك الحماية من خلال الإطار القانوني والمؤسساتي، فالمادة 26 من النظام الأساسي للحكم نصت على أن: "تحمي الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية"، والتي تعزز مفاهيم العدل والمساواة ومنع التمييز على أي أساس ومنها الإعاقة، كما نصت المادة 27 من النظام الأساسي للحكم على أن: "تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة، وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية".

وفي عام 2000 صدر نظام رعاية شؤون المعوقين، المؤيد بالمرسوم الملكي رقم (م/37) وتاريخ 29 مارس 2000، الذي أشار في مادته الثانية إلى أن: "الدولة تكفل حق الشخص ذي الإعاقة في خدمات الوقاية والرعاية والتأهيل، وتشجيع المؤسسات والأفراد على تقديم هذه الخدمات عن طريق الجهات المختصة في كافة المجالات ومنها تهيئة وسائل المواصلات العامة لتحقيق تنقل الأشخاص ذوي الإعاقة بأمن وسلامة وبأجور مخفضة للأشخاص ذوي الإعاقة ومرافقيهم، إضافة إلى توفير أجهزة التقنية المساعدة للوصول وحقهم في العمل".

وبموجب قرار مجلس الوزراء رقم 202 وتاريخ 17 مارس 2014، أنشأت جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية، وعلى رأسهم وزارة الشؤون الاجتماعية، إدارة مختصة لرعاية الأشخاص ذوي الإعاقة وتأهيلهم، وذلك لتأمين حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في المملكة وتعزيز الحماية الاجتماعية لهم. ووصل عدد الأقسام في مراكز التأهيل الطبي في مستشفيات المملكة حتى تاريخه إلى 194 قسماً للعلاج الطبيعي و33 قسماً للعلاج الوظيفي، و9 أقسام للنطق والتخاطب، و21 قسماً للأطراف الاصطناعية.

ونتيجة لهذا الزخم التنظيمي والمؤسساتي تضاعفت جهود المملكة للعناية بذوي الاحتياجات الخاصة، فتم إنشاء مركز الملك سلمان لأبحاث الإعاقة وجمعية الأطفال المعوقين إلى جانب العديد من المراكز والجمعيات العريقة الأخرى لخدمة الإنسانية.

ونحن في هذا الوطن نعتز بمشاركة الأميرة نوف في جهودها الخيرية "لأجلهم".