من ضمن أكبر 10 دول في العالم في احتياطات النفط والغاز، تأتي 4 منها على قائمة أكثر الدول تراجعاً في النمو الاقتصادي وأكثرها تخلفاً في التنمية الاجتماعية، ليس لاعتمادها فقط على النفط والغاز كمصدر وحيد للدخل، بل لأنها استباحت ثرواتها بآفة الفساد، وأخفقت في تحقيق مصالح العباد، وآثرت الرضوخ لنوازع الاتكالية والتكاسل والاستبداد.

فنزويلا التي تتربع عالمياً على عرش مخزون النفط بمقدار 297 مليار برميل، وتحتل المرتبة الثامنة في احتياطات الغاز الطبيعي بمقدار 196 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروتها الإجمالية طبقاً للأسعار السائدة 35 تريليون دولار أميركي، اعتمدت على النفط والغاز في 96% من صادراتها و44% من موارد ميزانياتها. ولدى انخفاض أسعار النفط في العام الماضي، انخفضت قيمة عملتها 6 أضعاف لتحقق أكبر تضخم في العالم بنسبة 100%، الذي من المتوقع ارتفاعه هذا العام إلى 500%.

ونظراً لانتشار الفساد الإداري والمالي انكمش اقتصاد فنزويلا خلال العام الجاري بنسبة 7.1% واستشرى الفقر في مجتمعاتها بنسبة 45% والبطالة بنسبة 16%، لتحل فنزويلا المرتبة 161 بين 171 على المؤشر العالمي لمدركات الفساد والمركز 186 بين 189 دولة حول العالم في تصنيف البنك الدولي لسهولة ممارسة الأعمال، والمركز الأخير في تسوية حالات الإعسار وسداد الديون، لتأتي الدول الفقيرة في الطاقة مثل إثيوبيا والصومال وأفغانستان متقدمة على فنزويلا في التصنيفات العالمية بأكثر من 14 مرتبة.

أما إيران التي تحتل المركز الرابع عالمياً في مخزون النفط بمقدار 145 مليار برميل، والمرتبة الثانية في احتياطات الغاز الطبيعي بمقدار 1187 تريليون قدم مكعب، لتفوق قيمة ثروة طاقتها الإجمالية طبقاً للأسعار السائدة 37 تريليون دولار أميركي، تعاني اليوم من تراجع اقتصادها لفساد حكوماتها. وبينما تراجعت إيران إلى المركز 130 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد، والمرتبة 144 بين 177 دولة على مؤشر الفساد الإداري، لجأت إيران في الميزانية الحالية إلى فرض المزيد من الضرائب بنسبة 23%، وتخفيض دعم السلع الاستهلاكية بنسبة 26%، مع خفض دعم أسعار الخبز بنسبة 40%. وطبقاً لتقرير مركز الإحصاءات الإيراني الصادر بتاريخ 28 نوفمبر 2015، فلقد تضاعفت نسبة الفقراء في المجتمع الإيراني 6 مرات خلال العقد الأخير، وتراجعت قيمة الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي منذ الثورة الخمينية 352 ضعفاً، مما أدى لارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة 67% لتزداد حدة الفقر في بلد يعتبر من أغنى بلدان العالم بالنفط والمعادن والمياه والزراعة. ولقد أدى تراجع الاقتصاد الإيراني إلى تربع إيران على المرتبة الثانية من أصل 90 دولة في مستوى الإفلاس الاقتصادي، والمركز 180 من أصل 187 دولة على مؤشر التضخم، إضافةً إلى تربع إيران على المركز الأول في تصدير الإرهاب والمرتبة الثالثة في إدمان وتصدير المخدرات.

وأيضاً العراق، الذي يحتل عالمياً المرتبة الخامسة في مخزون النفط بمقدار 140 مليار برميل، والمركز السابع في احتياطات الغاز الطبيعي بمقدار 126 تريليون قدم مكعب، لتبلغ ثروته الإجمالية بالأسعار السائدة أكثر من 16 تريليون دولار أميركي، يعاني شعبه اليوم من المجاعة التي طالت 5 ملايين شخص بسبب ارتفاع نسبة الفقر ‍إلى 41%، نتيجة التراجع الكبير في اقتصاده وتمادي فساد حكوماته، التي حققت المرتبة 170 بين 171 دولة على مؤشر مدركات الفساد العالمي.

في الأسبوع الماضي أعلن مجلس النواب العراقي أن ميزانية عام 2016 ستواجه عجزاً مالياً ضخماً يقدر بحوالي 40 مليار دولار أميركي. هذا في الوقت الذي أوقفت الحكومة العراقية 6 آلاف مشروع تنموي بسبب ضعف التمويل وانخفاض أسعار النفط، ما سينعكس سلباً على التنمية الاقتصادية ويتسبب في تنامي المشاكل الاجتماعية.

ومنذ التدخل الإيراني السافر في العراق، ووفقاً لتقرير منظمة الشفافية العالمية، تكبد العراق خسائر فادحة تفوق تريليون دولار أميركي، كان نصيب الفساد منها 100 مليار دولار، والباقي كان نتيجة الحروب والإرهاب والابتزاز. هذه الخسائر الفادحة تجاوزت 60% من عوائد النفط، و80% من الإنتاج الزراعي، و42% من المنتجات الصناعية، ما أدى إلى إقفال 33% من أبواب الشركات العراقية، وارتفاع نسبة البطالة إلى 41%.

وعلى مؤشر السلام العالمي، الذي تضمن 170 دولةً، جاء العراق في ذيل القائمة للتنافس مع سورية والصومال وأفغانستان على الفوضى والانفلات الأمني والأعمال الإرهابية والحروب الميليشية، خاصةً مع ازدياد عدد المدمنين على المخدرات بنسبة 250%، وتضاعف عدد الجرائم الأخلاقية بمعدل 430%.

وكذلك نيجيريا، التي حققت عالمياً المرتبة العاشرة في مخزون النفط بمقدار 36 مليار برميل والمركز السابع في احتياطات الغاز بمقدار 19 تريليون قدم مكعب، إضافة لتحقيقها المرتبة الثامنة عالمياً في إنتاج الخشب، تعاني من آفة الفساد وأخطار سوء الإدارة التي أعلن الرئيس الحالي حرباً عليها. وتشير الإحصاءات الأخيرة لمؤشر الشفافية الدولية إلى أن نيجيريا تخسر سنوياً 18 مليار دولار بسبب سرقات النفط، لتحل في المرتبة 136 بين 171 دولة على المؤشر العالمي لمدركات الفساد. وبالإضافة لتراجع أسعار النفط أدى الفساد إلى تخفيض سعر صرف العملة المحلية بواقع 21%، وهبوط الاحتياطات الأجنبية بنسبة 66% مما ساهم في تفاقم حدة الفقر بنسبة 90%، وانحدار مؤشر التنمية البشرية للمرتبة 152 عالمياً، خاصةً أن النفط يشكل في نيجيريا 90% من الصادرات و85% من الإيرادات.

لا تلوموا أسعار النفط.. فالفساد أعظم وطأة على الاقتصاد.