لأهل المدن الكبرى في بلادنا هموم مشتركة توجب إعطاءها الأولوية في المعالجة؛ لاستنزافها الكثير من الجهد والمال؛ أبرزها وأهمها: الزحام المروري.

إن الاختناق المروري اليومي لا يستشعره كثير من المسؤولين؛ لأنهم لا يعايشونه وهم يسيرون بسياراتهم متجاوزين السرعة النظامية خلف وأمام سيارات الشرطة وصفارات إنذارها.

إن الموظف الحكومي اليوم يضطر إلى الخروج من منزله قبل بداية الدوام بساعتين؛ ليضمن الوصول في الموعد المحدد قبل إغلاق سجل الحضور.

ومن يخرج منهم من منزله قبل بداية الدوام بنصف ساعة مثلاً سيضطر للبقاء في الطريق ضعفي المدة المفترضة للاستطراق إلى مقر العمل، فيتأخر الموظف عن عمله قرابة الساعة في المتوسط يومياً؛ مما يجعله يتأخر نحواً من مائتي ساعة سنوياً؛ فضلاً عن تأخره في الوصول إلى منزله بعد العمل لذات السبب.

وفي المدن الرئيسة تبلغ الساعات المهدرة من موظفي الحكومة والقطاع الخاص بسبب الزحام المروري مليون ساعة عمل يومياً، تكلفتها أكثر من عشرة مليارات ريال سنوياً.

لقد أنهكت هذه الاختناقات المرورية كواهل الموظفين وأجهدتهم، وحملتهم نفقاتٍ أكثر مما هو على أمثالهم، ولا شك أن لذلك تأثيراً سلبياً على سير أعمالهم الوظيفية، وعلى سلوكهم مع مراجعيهم ومع أهليهم في بيوتهم.

يستتبع هذا الهم هماً آخر هو: تكلفة الوقود الذاهب هدراً في اختناقات المرور، تتحمله جيوب المواطنين من جهة، وخزينة الدولة بدعمها لأسعار الوقود من جهة أخرى.

إن القصد من إثارة الموضوع هو: تحفيز همم المسؤولين لمعالجة هذا الأمر المزعج؛ الذي يقلق - صباحاً ومساءً - كل موظفٍ عامٍ أو خاص، ويربك كل ولي أمر طلاب أو طالبات، ويزعج كل سائق أجرة، دون أن يظهر لهؤلاء أي بوادر للحل مع تيسرها وإمكان عملها.

إن من الحلول:

- تحديث هندسة الطرق، وإعادة تنظيم مخارجها بما يتفق مع السلامة المرورية، لا بما يوافق مصلحة أصحاب المجمعات التجارية.

- المبادرة بتخزين معلومات الطرقات آلياً حال تعديل مساراتها أو مخارجها، وإتاحتها لمستخدمي أنظمة الملاحة البرية.

- تطبيق النظام الإلكتروني بفرض رسوم على بعض مناطق التوتر المروري في ساعات الازدحام؛ كما هو معمول به في مدنٍ عربية وعالمية كثيرة؛ لأنها تمنع الكثيرين من سلوكها بسياراتهم الخاصة، وتتيح المجال لسيارات الأجرة والنقل العام.

- إعادة برمجة بعض الإشارات بحيث تطول وتقصر مدة الوقوف بحسب كثافة السيارات في مساراتها، والتحول إلى الإشارات الذكية المعتمدة على التحسس بالأشعة.

- إغلاق بعض التقاطعات، وجعل الحركة تنساب من كل اتجاه بالالتفاف الدائري جهة اليمين؛ لامتصاص التكتل الممل عند الإشارات، والقضاء على الوقوف غير المبرر.

من الحلول الواجب دراستها:

- توحيد مسار كثير من الطرق؛ بتحويل المزدوجة منها إلى ذات اتجاهٍ واحد؛ لاستيعاب الكثافة المرورية، وشغل فراغ الاتجاه الآخر.

- تخصيص شركاتٍ مقتدرةٍ فنياً وبتجهيزاتٍ متكاملة؛ لترميم اعوجاج الطرقات، وردم حفرها وتشققاتها.

- تحميل الشركات الخدمية مسؤولية التأخير في إعادة سفلتة ما يقومون به من حفريات؛ وتحميلهم التعويضات العادلة عن تلفيات السيارات الناشئة عن التفريط في أداء مهماتها.

- اعتماد مواصفات قياسية لعيون القطط، ولطلاء خطوط الطريق البيضاء والصفراء والحمراء؛ بحيث تقاوم أعلى درجات الحرارة والبرودة الجافة.

- التوسع في بناء المواقف ذات الطوابق وتأجيرها بالساعة، مزامنة مع الحزم في تطبيق مخالفات الوقوف الطولي والمزدوج في مناطق الازدحام.

- نقل أماكن المستودعات من داخل النطاق العمراني إلى خارج المدينة، ومنع الشاحنات (التريلات) من دخولها، واقتصار النقل داخل المدن على الشاحنات الصغيرة.

- تقليل مساحات الأرصفة الجانبية والوسطى المبالغ في عرضها، ومراعاة رفع مستواها عن الأرض؛ حتى لا تكون مجالاً لركوبها من السيارات العالية.

- تقسيم المدينة إلى مناطق يخصص لكل منها مجموعة من سيارات الأجرة لا تعمل في غيرها؛ للتقليل من تكتلها الظاهر في بعض أجزاء المدينة.

- منع السيارات التي تستخدمها العمالة من سلوك الطرق عالية الكثافة؛ لكثرة أعطالها وتسبب قائديها بالكثير من حوادث الاحتكاك.

- تأجير المواقف الطولية في مناطق الازدحام خلال ساعات الذروة، وفرض الغرامات على المخالفين.

لا بد من التحرك لمعالجة هذه الأزمة الخانقة لأهالي المدن الكبرى والمتوسطة، فما يعاب على السعوديين من كثرة استهلاكهم للوقود إلا بسبب هذه الاختناقات التي لولا حدوثها لكان استهلاك الفرد منا يقل عن ثلث استهلاكه الحالي.