يعرض كتاب "الحرية بلا ثورة" لمؤلفه سعد الحمودي إلى أن الإصلاح قد يكون طريقة أقل كلفة لإجراء التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي من الثورة. مستعرضاً تجارب ثورات عدة والكلفة التي نجمت عنها والنتائج التي آلت إليها، مقارنة بإجراء إصلاح بلا عنف ولا هدم.

 


جراحة الثـورة أم كبسولة الإصـلاح؟

يمكــن القــول إن التغييرات الكُبرى في الدول والنظم والمجتمعات الإنسانية انطلقت في بدايتها في أحد طريقين: إما (الثورة)، وإمــا (الإصلاح).

الثورة على مدار التاريخ الإنســاني كله كانت إجــراء شعبيــاً عنيفــاً، يعبــر عن غضب هائل ومرحلة من الرفض الكــامل للنظــام القائم، والسعــي لاجتثــاثه من جذوره وإنهــاء دوره بشكــل نهائي.

أما الإصــلاح، فهــو نزعــة تدريجيــة تستنــد إلى فكــر محدد، وتنطــلق بنــاء على رؤيــة واضحــة، تحمــل إصــلاحات تدريجيــة بسيطــة تظهــر آثــارها بسيطة على المــدى القصيــر، وكبيرة على المدى البعيــد بهدوء وانسيــابية. وكلا المنهجيــن لهمـا أسبــابهما، ومميــزاتهما، وعيوبهما، وتكاليفــهما، وعقــولهما، وخلفيــاتهما، إلا أن ثمــة فروقاً أساسيـــة بين مفهــومي (الثــورة) و(الإصــلاح) تم رصدهــا عبــر آلاف التجــارب الإنســانية والمجتمعيـــة طوال التـــاريخ، باختلاف اللغات والثقافات والخلفيــات والأديــان والعقليــات، يمكن أن نجملها بشكــل سريــع في خمسـة محــاور:


1 الحلــول


الثــورات لا تــأتي أبداً بحلــول كونها عمـلاً (شعبــوياً) بالأساس، أبطــالهــا ومفجــروها هم طوائف الشعــب والجمــاهيــر بالمعنــى الواسع، فليس من مهمة الثــائر أن يقدم حلولاً للنظــام الذي ثــار عليه، أو الواقع الذي يثــور من أجــل تغييـــره!

الثــورة والثــوار مهمتهم فقــط هدم القديم، والقضـاء على الأوضــاع القائمة، دون طــرح فكــر مستقبلي للنهــوض أو التجديد أو التغييـــر.

أما الإصــلاح، فأبطــاله ومفجــروه هم طوائف النخب والمفكــرين والأكاديمييــن والســاسة من مختلف التيــارات سواءً الحــاكمة أو المعارضة، وليس طوائف الشعــب أو عــامة النــاس، مهمتهم الأساسية هي تقديم حلول للنظــام يتبنّــاها لصــالح المجتمع والدولة والحُكم!

 


2 منهجية التغييــر




الثورة هدفها التغيير الجذري، وليس إعادة ترتيب الأوضـاع، ولا الإصلاح التدريجي!

منهجية التغييــر في الثــورة، هي هدم كل شيء والبدء من الصفــر، أما الإصــلاح، فمنهجيــة التغييــر من خلاله متــدرجة وربمــا بطيئة، ولكنــه يُبنــى على بنــاء قائم بالأساس، ويستمــر في تطويــره وتحديثه.

 


3 الوقـــت




الثــورة تتبــع فكــرة فيــزيائية معروفة هو أن (الهدم أسهل بكثير جداً من البنــاء)؛ لذلك فانهيــار النظــم الحاكمة تحت وطــأة الثورات الشعبيــة سريع للغــاية، إلا أن إعــادة بنــاء (نظــام) من جديــد يكون أمراً شاقاً ويتطلب سنــوات طويلة.

أما في الإصــلاح، فالنظــام قائم بالفعــل وغيــر مُهدّم. صحيــح أنه يحتــوي على أخطــاء – أو حتى خطــايا – إلا أن كونــه قائمــاً يجعــل عملية الإصــلاح في كافة مستــوياته أسهــل وأكثــر أمانــاً وقدرة على التحقق والظهــور، وإن طــال وقت الإصــلاح.

 


4 الاستقطاب


الثــورة منحــازة بشكـل مُطلق لا تعرف الوسطية، بل هي انحيــاز كامل لمن قــام بتفجيــرها، وتهمل الجوانب والطوائف الأخــرى في المجتمــع، مما يؤدي عادة إلى نشــوب صراعات عرقية أو طائفية أو طبقيــة لسنــوات طويلة.

أما الإصــلاح، فهو في الأصل دعــوة وسطية تضمــن الحيــاد بين كافة أطراف المجتمع والدولة والنظــام، وتركز على العمــل التوافقــي الجمعـــي بشكــل أكبــر، ويراعي كافة الأركــان التي يتكون منها المجتمع.

 


5 النتــائج


نتــائج الثــورات ليست كلها رخــاء واستقراراً، وكثير جداً منها آلت إلى نُظم قمعية استبــدادية، ولكــن في المقــابل لا يذكــر التاريــخ بالســوء، أي حركة إصــلاح تدريجي تمت في أي دولة، أو أي مجتمع، حتى تلك الدول التي استغرق فيها الإصــلاح مئــات السنين!

باختصـار، الإصــلاح – تاريخيــاً – مأمون النتــائج.. والثــورة غير مضمــونة العواقب!


عنف في فرنسـا وإصلاح في بريطـانيــا!


في 14 يوليــو سنة 1789 اندلعـــت شرارة الثــورة الفرنسيــة التي ساهمــت في بناء فرنســا المعاصــرة بالفعــل، لكن ما يجهله الكثيــرون جداً أن الثــورة الفرنسيــة صنّفهــا كثير من المؤرخين على أنها ثورة فاشلة في نتائجها المبـاشرة، باعتبــار أن كل ما نادت به من قيم عادلة لم تظهر إلا بعد عقـــود طويلة جدا.

من دون الدخول في تفاصيل معقــدة، فالثــورة الفرنسيــة – مثل أي ثـورة أخــرى – اندلعت ضــد الملك "لويس الســادس عشــر" لأسباب اقتصــادية بحتة يعاني منها الشعب الفرنســي، أهمها عدم توفــر الخبـــز، وغياب مُطلق للعدالة الاجتمــاعية ونظــام حُكم أمنــي قمعــي إلى أبعد الحدود.

على مدار 10 سنوات كــاملة (1789– 1799) مرت الثــورة الفرنسيــة بثلاث مراحل:

 الأولى (1789 – 1792): هي أساس الثورة.. تم إلغاء الملكيـة المطلقة واستبدالها بملكيــة دستــورية، ووضع أول دستــور، وإصدار بيان حقوق الإنســان والمواطن، وإلغاء امتيازات النبلاء ورجال الدين، وإجبار الملك على اقتسام السلطة مع الجمعية الوطنية، وإقــرار مبدأ مجانية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيــد الأمة.

المرحلة الثانيـة (1792 – 1794): إلغــاء الملكية تماماً وإعلان الجمهــورية الفرنسيــة الأولى، وإعدام الملك "لويس السادس عشــر"، إلى جانب مقتــل حوالي 40 ألف مواطن فرنســي، وانتشــار الإرهــاب وعدم الأمــان في طرقات المدن الفرنسيــة، ومواجهات ما بين الثــورة والثــورة المضــادة.

المرحلة الثالثــة (1794 – 1799): (فترة اندثار الثــورة) وتراجع التيار الثــوري، وعودة البرجــوازيــة إلى الحكم التي ثار ضدها الشعب الفرنســي، وتم وضــع دستــور جديــد يعطــي الجيــش صلاحيــات كبيــرة.

انتهــاء الثــورة بالمفهــوم الشعبي المؤسسي، وقيــام "نابليــون بونــابــرت" بعمــل انقلاب عسكــري، وإلغاء الجمهــورية الفرنسيــة وإعلان الحُكــم الإمبــراطوري للبـلاد.

عادت الملكيــة مرة أخــرى (التي قامت ضدها الثــورة الفرنسيــة) والتي استمرت حوالي ثلاثين عاماً تقريباً من (1815 – 1848)!

ثم اندلعت الثورة الفرنسية الثانية "ثورة فبراير1848 مرة أخرى على الملكيــة وإعلان الجمهــورية الفرنسيــة الثانيــة لمدة 4 سنوات (1848 – 1851)، ثم تمت عودة النظام الإمبراطوري مرة أخــرى بقيــادة "لويس نابليون - نابليون الثالث" الذي أعاد مرة أخرى نفس سيناريو السلطة الفردية المطلقة والتوسعات العسكــرية الطائشة حتى الهزيمة العسكــرية على يد الجيوش الألمانية في عام 1870، ثم جرى إعلان الجمهــورية الثالثة التي استمرت من عام 1870 حتى عام 1940.

أكثــر من 140 عاماً تقريباً قضتها فرنســا في التغييــرات الثورية العنيفـــة المفاجئــة، والتنقل السريع والمُدهش من نظام ملكي.. إلى جمهوري.. إلى انقلاب عسكــري.. ثم عودة للملكيــة.. ثم إلى إمبراطورية فردية.. ثم جمهــورية.. حتى وصلت في النهايــة – بعد الحرب العالميــة الثانيــة – إلى الاستقــرار السياسي والاقتصــادي الكــامل.

 


حتى النُخب يثورون


في بريطــانيــا كــان المواطنون يشعــرون بالظلم والغضــب بسبب النظــام الحــاكم المُستبــد، ففــي عـام 1688 كـانت بريطـانيا تمر بمرحلة غليــان حقيقيــة وغضب شديد من سياسات الملك "جيمس الثــاني"، إذ كــان:

 يحكم البلاد حُكمـاً فرديـاً مُطلقــاً.

 يعطي نفسه صبغة دينيــة كاملة بأنه الملك المُفوّض من الإله لحكم بريطانيا.

 فرض ضرائب هائلة، وانهيــار الاقتصــاد، وشعــور المواطن العــادي بالعبء الاقتصــادي الكبير عليه.

 العصبية المذهبية، إذ كان "جيمس" من الرومان الكاثوليك فحابى الكاثوليك في المناصب وقربهم إليه في سياسة الدولة.

النتيجــة الطبيعية والمُنتظــرة هي أن تندلع ثــورة شعبية هائلة من قبل المواطنين والطبقة الدنيــا من الشعب تطيح بالملك وتشيــع الفوضــى، إلا أن بريطـانيــا شهدت حدثاً عجيبــاً بحق، ففي عــام 1688، ومع بلــوغ الغضــب الشعبي منتهـــاه، اندلعــت (الثــورة المجيــدة)، أو (الثورة البيضاء)، كمـا يطلق عليها التاريخ البريطـاني، التي قــادها (البــرلمـانيــون) ضــد الملـك باعتبــارهم ممثليــن للشعب من كافة الطوائف وأرجـاء البــلاد، وبدعوة من المعارضة المحلية، تم استقدام أحد القادة "حاكم هولندا - ويليام الثالث" على رأس قواته إلى إنجلترا عام 1688، ثم قام بخلع صهره الملك "جيمس الثاني" في الثورة المجيدة‏، واعتلى العرش بعده هو و(ماري الثانية).

وفي عــام 1689 أصدر (البرلمـان الإنجليــزي) الذي قاد الثــورة، ما يسمى (إعلان الحقــوق) الذي استعرض المظــالم والأخطــاء والفساد الذي ارتكبــه الملك "جيمس الثــاني" – الذي تم عزله – في حق الشعب البريطــاني ووضــع إطــاراً وضوابط صــارمة على (الملك الجــديد).

 


أثــر الثــورة


 حق الملك في التاج والحُكم، مستمــد من الشعب.

 ليس من حق الملك إلغاء أو إصدار قوانين جديدة، إلا بموافقة البرلمــان.

 لا تُفــرض ضرائب جديدة ولا يتم تشكيــل جيش جديد، إلا بموافقة البرلمـان.

 حرية الرأي والتعبير في البرلمــان مكفــولة ومصــانة.

كم يبلغ عدد الذين سقطــوا في هذه الثــورة؟.. صفـــر.. باختصار تحققت المعادلة: إصــلاحات ثـــورية.. بدون ثـــورة!.

 


ثورة 23 يوليو المصــرية

المكــان، والزمان: "القــاهرة"، 23 يوليــو 1952

الحدث: اندلاع ثورة يتزعمهــا مجموعة من الضبــاط داخل الجيــش المصــري، يُطلق عليهم (الضبـاط الأحــرار).

الهدف: رغبــة الجيــش في تنازل الملك عن العرش لابنه "أحمد فؤاد" وتغيير الحكومة القائمة وإعادة الحكومة التي أقالها الملك. مصـر قبــل ثورة 23 يوليو

عانت مصــر سلسلة من الفســاد السيــاسي إبان الحقبــة الملكيــة، ومع ذلك كان فيها:


 نسبة البطــالة بها 2% فقط.

 الاقتصــاد الكلي قــوي للغــاية؛ لدرجــة أن العملة المصــرية (الجنيــه المصــري) كان يعــادل 4 دولارات.

 مصــر أقرضت بريطـانيــا العظمــى حوالي 350 مليــون جنيه إسترليني.

 حصلت القــاهرة على المــركز الأول في مسابقة أجمل مدن العالم.

 سيـارة الأجرة في القاهرة كانت من نوع (كاديلاك) الأميركي.

 كان الأجانب يتوافــدون على مصــر للعمــل في الوظائف الدنيــا (حلاقيــن، نــوادل في المطــاعم والمقــاهي)!


بعــد ثورة 1952:


 تم إلغــاء البــرلمــان وحل الأحزاب السيــاسية والتــأصيــل لمنهجيــة الحُكــم الفردي المُطلق.

 انهــار الجنيه المصــري الذي كان يعــادل 4 دولارات إلى دولاريــن ونصف في عهد الرئيس جمال عبد النــاصر الذي استلم الحكم في البــلاد وبريطــانيــا مدينة لمصــر بـ350 مليون جنيه إسترليني، وتــوفي تاركــاً ديوناً على مصــر بقيمة مليــاري دولار إلى جانب ديــون عسكــرية بقيمة 3 مليــارات دولار.

 تعرضت مصــر لخســارتين عسكــريتين فادحتيــن كلفـتـاها الآلاف من الجنـــود والضبــاط، وخســائر اقتصــادية هائلة (حرب الســويس 56، ونكســة 67).

 ظهــور ما يعــرف بدولة (القبضة الأمنية الحديدية).

حدث هذا في بلـــد محكــوم بنظــام ملكــي دستــوري برلمــاني، مَلِكــه يملك ولا يحكــم إطلاقاً، وليس من أدواره تعييــن رؤســاء الحكــومة، بل البرلمــان الممثــل من قبل الشعب هو المسؤول عن ذلك.

 


 وفي بلد لديه حركة حزبيــة قوية للغايــة، ومؤسســات حكومية، وأركــان دستــورية، تمت الإطــاحة بكل هذا بإجــراءات استثنائيــة، أعــادت الحيــاة السياسية في مصــر كلها إلى تحت الصفــر، واختفت الديمـوقراطية التي تكوّنت على مدار 150 عاماً في مصــر، وظهرت الممارسـات الأحادية لمفهوم التنظيم السياسي الواحد واستمــرت على مدار 60 عاماً تقريباً!

الإصلاح أفضل أم الثورة؟

 


هل الإصلاح التدريجــي هو بديــل أفضــل من الثــورة المفـاجئة؟

لكل بلد خصوصياته وطبيعة معطيـاته الجغرافية والتاريخية والإنسـانية، إلا أن الإصــلاح يبقى هو الأساس؛ لأن المصلحـين ينطلقون دائمـاً من خلفية فكــرية، بينمــا ينطلق الثــوار من دوافع الحماسة الوطنيــة.

يمكن القــول إن الثــورة انفعــال، والإصــلاح تفكيــر، فالتاريــخ يؤكد أن جمال الدين الأفغــاني، والشيخ محمد عبــده، ومارتن لوثر كينــج، وغــاندي... وغيــرهم هم مصلحــون إلى حد الثــورة إن جــاز التعبيــر! فـ"الأفغــاني" داعيــة اتحــاد المسلمين وإصلاح شؤونهم، و"محمد عبــده" مصلح ديني واجتمــاعي رفيع القدر والعقــل، و"غاندي" كان ثائراً مصلحــاً اعتنــق نظرية اللاعنف وطرح مبــدأ المقــاومة بلا عنف، و"مارتن لوثر كينج" هو شهيد الإصلاح في المجتمع الأميركي ومواجهة العنصــرية واضطهــاد الســود. كلهم كــانوا الأوقع تأثيــراً في تاريخ مجتمعاتهم، ولديهم منهجيــة خلّدها التاريــخ في الكتب والمراجع، واعتبــرت منهـاجاً إصلاحيــاً متجدداً.

 


فســاد يُزكــم الأنــوف ويُعمي العيون!

على مدار التاريخ الإنسـاني كله لم تتحــرك الجماهير الغاضبة والشعــوب المتألمة بشكــل فوضــوي عــارم للإطــاحة بالحُكــم – أياً كــان - إلا ووضعــت (الفســـاد) السبب الأول والرئيس والمُباشـــر لهــذا التحــرك.

الواقع أنه، ومنذ فتــرة طويلة أصبح الفســاد الإداري والمؤسســي والاقتصــادي والاجتمــاعي، أمراً يكــاد يكون طبيعيــاً في الدول العــربية، ممــا دفع إلى معــدلات هائلة من الفقــر والتراجع الاقتصــادي والتنمية المُجتمعيــة المتخلفة، أدت إلى اضــطرابات شديدة أحيــاناً، أو اندلاع ثــورات غاضبة أحيـاناً أخرى.

وما يدعــو للهلع الحقيقي، أنه بعــد اندلاع الثــورات في أكثر من بلد عربي والإطــاحة بعدد من الحُكـــام، كانت النتيجــة أن معدلات الفســـاد ومؤشراته قد ارتفعــت بشكل حاد،  بدلاً من أن تنخفــض أو تتــوقف عند نسبــة ثابتة على الأقـــل؛ تمهيــداً لانخفاضها التدريجي.

ولكــن هــذا لم يحــدث للأسف؛ وهـــو ما يعيــدنا إلى سينــاريــو (الفوضــى) بعــد اندلاع ثــورة نبيــلة غرضهــا الإصــلاح والتغييــر.

 


معدلات مخيفة للفســاد!


في حوار مُطوّل نُشــر في جريدة الأهرام المصــرية في سبتمبــر 2012 صرّح "الدكتور رفعت الفاعوري" المدير العام للمنظمة العربية للتنمية الإدارية، تصريحاً مخيفاً، إذ أوضــح أن حجــم الفســاد المالي والإداري في العالم العــربي نتــج عنه خســائر تقدّر بحــوالي (ثلاثــة تريليــونات دولار) خلال الستيــن عاماً الماضية فقــط.

 أي 3 آلاف مليــار دولار خســائر ناتجة عن الفساد في المنطقة العربية ككــل، خلال الـ 60 عاماً الماضية!

كمـا أوضـح "د.الفاعوري" أن أكثــر أنواع الفسـاد تأثيراً في الحياة الاقتصـادية والاجتماعية العربية، تتمثـل في أوضح صورها في أن 10% من المواطنين العرب يمتلكون مقدرات 80% من ثروات الدول، بينما النسبة الباقية من الشعب لا تملك سوى 20% فقط.

تقــرير لمنظمة الشفافية الدوليــة، قيّم فيه مصــر عــام 2010 (قبل اندلاع الثــورة المصرية بشهــور) بأنها تحتــل المرتبــة رقم 98 من أصل 178 بلداً من حيث الفســاد، وهو رقــم خطيــر جداً جعلهــا تأخــذ نقــاط (3,1) في الفســاد السياسي والمحلي والإداري.

وهو ما جعــل اندلاع ثــورة يناير في عام 2011 أمراً مفهــوماً إلى حــد كبيــر، ولكــن التقارير الآتية من نفس المنظمة بعــد عــام 2011 تشيــر إلى أن معدلات الفســاد زادت بشكــل مخيف بعد اندلاع الثــورة، ففي عام 2011، وهو العـام الذي اندلعت فيه الثــورة، تراجعــت مصــر في تقرير مؤشـرات الفســاد من الخــانة (98) إلى الخــانة 112، ثم تراجعت أكثــر لتحتل المــركز 114 من حيــث مؤشــرات الفســاد لتكــون من أكثــر الدول فســاداً ماليـاً واقتصــاديـاً وإداريــاً! وقد أعلن الجهـاز المركزي للمحاسبات في مصـر، في تصـريح مثيـر، أن حجم الفسـاد في مصـر يصـل إلى 200 مليـار جنيـه سنـوياً. وفي عام 2012، صدر تقرير الشفافية الدوليـة حول أكثر الدول فسـاداً، حاملاً معه صدمـات أخـرى، بخصوص الدول العـربية تحديداً. فمن بيـن 174 دولة تم إجراء استطـلاعات بخصوص انتشـار الفسـاد بها، احتلت الدول العربية أسوأ مراكز بالقائمة من حيث انتشـار الفسـاد، إذ جاءت السودان والصومال في المركزين 173 و174 على التوالي، تلتهم العراق في المرتبة 169، ثم ليبيا في المركز الرابع عربياً والـ160 عالمياً. وجاء في القائمة اليمن بالمركز الخامس عربياً والـ158 عالمياً، وسورية السادس عربياً والـ144 عالمياً، بالإضافة إلى لبنان السابع عربياً والـ 122 دولياً، ومصر الثامن عربياً والـ 118 عالمياً. وجاءت كل من الجزائر في المرتبة التاسعة على مستوى الدول العربية والمرتبة الـ 105 على مستوى العالم، ثم المغرب عاشراً وفي المرتبة الـ 88 عالمياً.


في عـام 2013


استمـرت الدول العـربية في احتـلال أسوأ مراكز بقائمة أكثر دول العالم فسـاداً، إذ احتلت الصومال المركز 175، تلاها السودان في المركز 174، ثم ليبيـا في المركز 172 من بين 175 دولة أجــري عليها الاستطـلاع.

العــراق أيضـاً لم يسلــم من دائرة الفســاد بعــد مرور 10 سنوات من الإطاحة بحاكمه العسكري "صدام حسيــن" في 2003، فقــد سجّــل المركز 171 على مؤشــر الفســاد العالمــي في عام 2013 على الرغم من ثرواته النفطيــة والطبيعية والبشرية الهائلة.

في ســوريـة البلـد الرحب متعدد الطوائــف والمذاهب والألوان وصــل مؤشــر الفســاد بــه في عــام 2013، وبعد مرور عــامين على اندلاع الثــورة ضد نظــام "بشــار الأسد" وما تلاه من أحداث دمــوية رهيبــة هي الأقسى والأعنف في تاريــخ الثــورات العربية على الإطلاق، إلى المــركز 168 للعام على مؤشر الفســاد الدولي.

وفي مصـر وصـل مؤشـر الفسـاد الداخلي لمرحلة جعلت البلد الذي يسكنه حوالي 90 مليون نسمة يحتل المـركز 114 عالميـاً من حيث الفسـاد.

المخيـف أكثــر أن مؤشــر الفســاد لا يقف فقط على الدول التي اندلعت بها الثــورات، أو التي تعاني من اضطــرابات سياسية وطائفية فقــط، بل يمتــد ليشمل معظم الدول العــربية، فجـاءت الجــزائر في المركز 94 عالميـاً من حيث الفســاد، بينما احتلت المغـرب المركز 91 عالميـاً، ثم تونس التي احتلت المركز 77 من حيث أوجـه الفســاد.


المؤلف في سطور


 سعد بن محمد الحمودي

 إعلامي.

 صدر له: "تأثير لا يقاوم، ذكاء المشاعر، شخصيتك بين يديك، لا تشبه أحداً سواك، ذاتك علامة تجارية، فاشل ولكن".