تمكنت لغة التخوين وإلقاء تهم العمالة إلى الخارج وتهديد الأمن القومي من الخطاب الرسمي وشبه الرسمي للنظام الإيراني، في تعامله مع أبناء الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية في البلاد، الذين يشكلون مجتمعين النسبة الأكبر من سكان البلاد مقابل المنحدرين من العرق الفارسي.

لقد استحوذ الهاجس الأمني والسياسي لهذه المكونات الفسيفسائية على مخيلة الطبقة الحاكمة في طهران، حتى وإن حاولت إخفاء ذلك خلف مسميات مختلفة ومتنوعة، ولكن ما يلبث هذا الكابوس المزعج أن يخرج عاريا إلى السطح، عند أول حدث تشهده إحدى المحافظات أو المناطق الحدودية أو يرتبط بشخصية أو جماعة تنتمي إلى فئة "المواطنين من الدرجة الثانية" في تصنيف النظام الإيراني.

ولعل آخر تلك الأحداث، هو ما شهدته العاصمة الإيرانية طهران خلال الأسبوعين الماضيين، إذ قامت فايزة ابنة هاشمي رفسنجاني، أحد أعمدة النظام الإيراني ورموزه -وإن اعتلاه في الآونة ما اعتلاه من محاولات تهميش وتقليم لأظافره- قامت بزيارة إحدى العائلات المنتمية إلى الأقلية البهائية.

لقد نال فايزة ما نالها من وسائل الإعلام الأصولية ورموز الحوزات العلمية، ولقد لحق بوالدها شيء من شرر هذه النار الملتهبة.

وهنا نماذج من التهم التي تم توزيعها على الطائفة البهائية، إذ قال إمام الجمعة في طهران آية الله محمد أمامي كاشاني إن "البهائية فرقة ضالة وقذرة، إذ إنها تتشابه مع إسرائيل، فهما وليدتا الاستعمار في المنطقة".

أما آية الله ناصر مكارم شيرازي، فقد صرح في مسجد أعظم قم بقوله "سمعنا عن أن ابنة إحدى الشخصيات السياسية المعروفة ذهبت للقاء أحد زعماء الفرقة الضالة، وأعربت عن شكرها لها، والتقطت الصور مع رموز هذه الفرقة الضالة".

من جانب آخر، أطلق رئيس السلطة القضائية في إيران "أملي لاريجاني" تصريحا قويا ضد البهائية، وأنه ليس هناك أي معنى للدفاع عنهم، وشدد على أن السلطة القضائية ستتصدى وبكل حزم لأي شخص يسعى ضد أمن البلد، ثم تساءل قائلا "ألا يعتبر التعاون مع البهائية مهددا لأمن البلد؟".

وعلى المستوى الإعلامي، فقد نشر موقع "الصحفيين الشباب" الإيراني تقريرا عن البهائية، ذكر فيه أن البهائية انشغلت ببث التفرقة والمؤامرات السياسية ضد البلاد، وأضاف التقرير عددا من فتاوى مراجع الدين حول البهائية، منها فتوى الخامنئي الذي وصف أتباع البهائية "بالأنجاس ويجب مراعاة الطهارة في حال لمسهم"، كما قام اتحاد الرابطات الإسلامية للطلاب المستقلين في إيران بإرسال خطاب إلى هاشمي رفسنجاني، تضمن هجوما قويا على عائلته، إذ قالوا إن "إيران ما زالت تعاني خيانات عائلة هاشمي تجاه الثورة"، عادّين ما حدث أنه "لم يعد قضية سياسية بل قضية شرعية وإسلامية".

لعل السؤال الأهم هنا هو: لماذا تم تحريك ملف هذه الأقلية تحديدا، وفي هذا التوقيت بالذات؟ وهل كان الأمر مخططا له، وما زيارة فائزة إلا جزء من الخطة؟ وهل كان البهائيون سيتلقون كل تهم التخوين والعمالة هذه حتى وإن لم تحدث تلك الزيارة المشؤومة بالنسبة لهم؟

ربما تكون الإجابة عن جميع هذه الأسئلة في حاجة إلى سلسلة من المقالات، ولكن خلاصة القول: إن لطبيعة العلاقة مع الغرب ارتباطا مباشرا أو غير مباشر بإثارة هذا الملف، خصوصا إذا أخذنا في الحسبان بعض الصراعات بين التيارات السياسية في إيران، كما أن استثمار فرصة زيارة فايزة، والتي لا نعلم ما إذا كانت الزيارة الأولى لأبناء هذه الطائفة أم لا، دور في تحريك الملف للقضاء على ما تبقى من قوة وثقل سياسي وأيديولوجي لرفسنجاني في الأوساط الإيرانية، ويبدو أن رفسنجاني تنبه إلى ذلك سريعا، فأنكر ما قامت به ابنته ليقطع الطريق على المتربصين به في قم وطهران، وإن لم تغلق هذه الإدانة باب الانتقادات له ولأسرته بشكل كامل.

بعيدا عن مآلات هذا الملف، وكرة الثلج التي بدأت تكبر ضد البهائية، فإن ملف الأقليات الدينية والمذهبية والعرقية في إيران حاز على حجم ضئيل من التركيز الإعلامي والسياسي والحقوقي على المستوى الإقليمي والدولي، وإن ما تعانيه الشعوب والأقليات المختلفة في الداخل الإيراني من تمييز لغوي وسياسي وثقافي وديني وعرقي، يستحق مزيدا من الاهتمام، وإبرازه إلى السطح ليدرك العالم حجم الظلم والتهميش والقمع الذي تعيشه تلك الأقليات. في حين يزعم النظام الإيراني دفاعه عن المظلومين والمستضعفين في العالم، إلا أنه يمارس أنواع الظلم والاضطهاد ضد المكونات المختلفة في الداخل الإيراني.