أحببت كثيرا متابعة المسلسل المصري "السبع وصايا"، الذي قدم قبل نحو عامين في شهر رمضان المبارك، أحببت المسلسل لأنه يعتمد على الفنتازيا، لا يمكن أن تتصور أن تدور مثل هذه الأحداث في أي عصر من العصور الماضية أو حتى الآنية، رغم أن الصراعات المادية بين الإخوة من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الثروة التي خلفها الأب الذي اختفت جثته بعد وفاته، أمر لا يمكن أن يكون غريبا في أي مكان في العالم، ولكن الفكرة التي أراد مؤلف المسلسل محمد أمين راضي أن تصل إلينا، كانت على مقدار المشاعر التي تتلبس الأشقاء السبعة، حينما يكتشف الأبناء اختفاء جثة والدهم، وعدم وجود الجثة يعني أنهم لن يستطيعوا الحصول على الإرث الذي تجاوز الـ7 ملايين جنيه، لم يعرف الأبناء كيف لهم أن يصلوا إلى الجثة، الصراع على الورث والخروج من مأزق الديون والفقر، أمر واقعي لا مفر منه، لكن ما يحدث خلال المسلسل ذي الـ30 حلقة يبدو أنه خارج المألوف، بل ليس له من الواقع مكان، ولكن مؤلف المسلسل كان يريد أن يضع أمام المشاهد حكايا غريبة تتصاعد منها أدخنة كثيفة سوداء، في محاولة منه أن يوقظ مخيلتنا نحو اللاشيء، بل أحيانا تجاه الخوف الذي يترسب بداخل كل منا، رغم اختلاف وتنوع مخاوفنا عن الآخرين، وبين حلقة وأخرى كان لا بد لنا أن ندرك أننا لربما نعيش تحت رحمة المال والسلطة والخوف، وتذكرت ما قاله يوما كاتب رواية الخيميائي باولو كويلو، بأن الأشياء المهمة في الحياة، كالحب والدين والحرية والحقيقة، يمكن أن تستخدم للخير كما للشر، وأضاف أنه منذ اللحظة التي نبدأ فيها الانفتاح على العالم الروحاني، يولد فينا الخوف من المجهول، وهو ما كان يقصده مؤلف مسلسل "السبع وصايا".

كل ما كنت أشعر به أثناء مشاهدتي للمرة الثالثة المسلسل، أن الخوف أكبر ساحر يمكن له أن يسيطر علينا، وكيف يمكن أن يستغل الدين والشعوذة لأغراض عديدة في مجتمع يعيش على خط الفقر، ويجد في السحر خلاصه الوحيد من المشاكل التي يعانيها، كنت أفكر بكويلو وهو يقول بأن علينا أن نتحلى بالتواضع أمام السر، ويعني بذلك "سر الأديان"، ويجب أن نطيع الطقوس وأن نملك الشجاعة لكي نحب بلا شروط، في أي حال، ليس الدين وحده ما يستغل في أيامنا هذه، بل كل شيء تقريبا يتعرض للاستغلال، وهو ما حصل في الولايات المتحدة مثلا: لقد استخدموا اعتداءات 11 سبتمبر ذريعة لشن الحرب على العراق، إنه لأمر فظيع، لقد تلاعبوا بالمأساة على نحو يجعلها تخدم مصالحهم الخاصة.

جال في رأسي ما دونته في سيرتي الذاتية "أنا سنية... وأنت شيعي"، كنت أدرك تماما أن من لم يقرأ كتابي جيدا سوف يتهمني بأنني أتلاعب أنا أيضا بالدين للترويج للكتاب، ولكن هذا ما لم يكن في الحسبان بالشكل المطلق، لم تكن اليوميات تعني أن هناك علاقة ما تربط بين فتاة سنية وشاب شيعي، الأمر كان أبعد من ذلك، كنت أتكلم عن مفهوم الحرية التي كنا نعيشها إبان دراستنا في جامعة البحرين، ولم يكن الكتاب مجرد فنتازيا كمسلسل "السبع وصايا"، أو حتى تجسيد للأنانية الإنسانية، أو استسلام البعض منا خوفا على مذهبه، كان الأمر أبعد من ذلك بكثير، وأنا أدون مقالي وصلتني رسالة من سيدة شابة تدعى "بتول"، لأول مرة أكتشف أن هناك من يستطيع أن يفهم أننا جميعا علينا أن نحترم الآخر مهما كان مذهبه، كتبت بتول رسالتها لتقول لي: "اشتريت كتابك (أنا سنية... وأنت شيعي)، لأشبع فضولي وأسئلتي التي تبادرت إلى ذهني منذ أن قرأت العنوان، والسؤال الأهم الذي تبادر إلى ذهني، ماذا ستقول امرأة من المذهب السني عن مذهبي الشيعي، (نظن نحن الشيعة بأن كل من يكتب عنا، إما قد أصبح شيعيا متخفيا أو أنه سوف يكتب ما يسيء إلينا). اعذريني فهذه هي الأفكار التي عززها المجتمع بنا، اشتريت كتابك من البحرين، خوفا من أنني لن أجده في مكتبات السعودية، حيث إن العنوان به كلمة شيعية بغض النظر عن المحتوى. والمضحك أني قد قمت بتخبئته حتى مغادرة جمارك السعودية، خوفا عليه من المصادرة، وبعد أن قرأت النصف منه ضحكت على نفسي، فالكتاب مجرد مذكرات ممتعة لكاتبة متميزة، فلماذا يتم منعه في السعودية؟

أستاذتي الفاضلة لا أعلم لماذا ولكن أشعلتني في قلبي كلمات أكتبها لك، فمع كل قصة أقرأها عنك، أقرأ قصة حدثت لي في ذاكرتي حينما كانت طالبة مبتعثة إلى الخارج، أحببت أن أبدأ بتدوينها (حيث دونت بعضها سابقا)، أعتقد بأن قصصي كثيرة وحياتي مليئة بالتجارب، وأنا أحب أن أعرفك بنفسي، اسمي بتول وعاطلة عن العمل وأم لطفل صغير، ولن أقول عن نفسي زوجة صالحة، فزوجي دائما يبحث عن ملابسه بنفسه، والمجتمع يفسر دور المرأة الصالحة، حينما تقوم بأعباء المنزل كاملة.

بعد عودتي من الغربة فقدت روح المغامرة، فقد الاكتشاف المبكر، لم تحدث معي قصص كي أستطيع أن أدونها، مشاعري حزينة، والأغرب رفض الناس لها بطريقة غريبة، دعوني أحزن كي أعبر عما بداخلي، أردت العودة إلى الغربة من جديد، فألم الغربة أهون من ألم محاسبة الناس لي على حزني الذي أجزم أنه لن يدوم طويلا، قرأت نصف كتابك وأخرجني قليلا من الوحل الذي أنا به، بدأت أنبض من جديد، وعندما ينبض قلبي يكتب قلمي، أود أن أشكرك أستاذة سارة على جرأتك في الطرح وعلى كلماتك الجميلة، وأتمنى أن أستطيع أن أبوح بقصصي وبمشاعري، وأمتلك بعضا من جرأتك حتى أستطيع أن أتنفس من جديد.

انتهت رسالة بتول ولكنها لم تنته بالنسبة لي، من الجميل أن تدون لك سيدة مثقفة ومتعلمة من المذهب الشيعي، ما تشعر به فتاة سنية حول علاقتها مع زملائها في الجامعة التي لم نكن نتشارك فيها طقس إخفاء هوايتنا، ولم نكن نبحث عن ثروة الأب المفقود كما في السبع وصايا!