المتأمل لمسيرة التغير الثقافي والاجتماعي الذي يمر به مجتمعنا السعودي يدرك أنها تسير ببطء شديد مقارنة بالتغير المادي، ويتم عرقلة كثير من مكوناتها بسبب الخوف من شبح مزعوم يخرج علينا أنصاره عند كل أمر لا يناسبهم ولا يطابق قناعاتهم الفكرية ورؤيتهم الأحادية. ندرك جميعا أنه لا بد من عقبات وصعوبات تعترض مسيرة التغير الاجتماعي والفكري، ولكن عندما يترك أمر تحديد الموقف من هذا التغير لأشخاص سيطرت عليهم فوبيا مؤامرة التغريب، وسوء الظن وتفسير كل أمر بأنه ضدهم، وأن المقصود منه إفساد المجتمع ويؤخذ برأيهم ولو لبعض الوقت، ويتم تعطيل بعض القرارات وتشويه البعض الآخر وانتظار موافقة الرافضين لهذا التغير والتي في الغالب تكون مرتبطة بمنظور ضيق وأفق محدود تحكمه تجاربهم الشخصية، فكم سنة نحتاج للخروج من هذه الدائرة.

معظم المصابين بفوبيا التغريب تجدهم متناقضين مع أنفسهم ولديهم معايير مزدوجة، وأثبت لهم التاريخ فداحة الخطأ في النهج المتكرر الرافض لكل جديد، ورغم ذلك لا يخجلون من إعادة "السيناريو" بنفس الخطوات وذات المبررات ونسخة مكررة من الحجج والذرائع.

عانت الدولة كثيرا من التصدي لكل مشروع تنموي له أبعاد تتعلق بالجوانب الاجتماعية والثقافية للمجتمع بحجج واهية، مثل التمسك بالخصوصية وذرائع أخرى متناقضة بحجة أنه مشروع تغريبي يهدف إلى إفساد بلادنا وشبابنا ومجتمعنا، وما يتبع ذلك من تهييج وإثارة لعواطف عامة الناس وإقحام الدين بشكل غير مناسب، فتضطر الدولة إلى تأجيل الأمر لبعض الوقت، لعل هؤلاء الرافضين يقتنعون من تلقاء أنفسهم على ما في ذلك من ضياع وتعطل لفرص مناسبة لتنمية المجتمع بوتيرة أسرع، أو ضياع فرص لتقديم حلول لبعض المشكلات الاجتماعية القائمة، وينتج عن ذلك بطء كبير في التغير الثقافي لا يتناسب مع سرعة التغير المادي الذي تعيشه بلادنا.

استنفاد كثير من طاقاتنا في جدل عقيم حسمه الزمن في شواهد كثيرة خطأ يجب ألا نسمح بتكراره، خصوصا في ظل التوجه الجديد المتمثل في رؤية 2030، ولا شك أن التحول الثقافي أحد مرتكزات النجاح المستهدف. فالانشغال بجدل عقيم حول كثير من القضايا ذات البعد الاجتماعي ومحاولة إيقاف عجلة التغير الاجتماعي التلقائي من خلال التشكيك في كل أمر وتفسير كل حدث على أنه مخطط تغريبي، وما ينتج عن ذلك من الدخول في نوايا المسؤولين والمؤيدين، وتقديم سوء الظن وغيرها من الممارسات التي تتكرر مع كل حدث جديد، وينتج عنها تعطيل أو تأخير في مسيرة المجتمع التنموية، وما يتبع ذلك من تجاذبات وتنازلات ويكون المجتمع هو الضحية.

فعلى سبيل المثال يعاني مجتمعنا بطالة نسائية مرتفعة جدا بسبب عرقلة مشاركة المرأة في مسيرة التنمية من خلال عدم السماح لها بممارسة كثير من الأعمال، والتي نتج عنها تعطيل نصف المجتمع وتغييبه تماما عن المشهد التنموي من خلال اختلاق الحجج والذرائع لمنع المرأة السعودية من المساهمة في كثير من المجالات وقصرها على مجال واحد وهو التعليم، وتوجيه تهم تغريب وإفساد المجتمع لكل مشروع يهدف إلى فتح مجالات أوسع لمشاركة المرأة السعودية في مسيرة التنمية.

المعضلة الحقيقية التي يجب على المجتمع مواجهتها تتمثل في التناقض الواضح الذي يكون عليه أنصار دعاوى التغريب الذين يستميتون في سبيل عرقلة كل مشاركة للمرأة السعودية في مسيرة التنمية، ثم يوجهون سياط نقدهم إلى الدولة التي لم تقدم حلولا لبطالة النساء، ولم تدفع لهن رواتب في منازلهن حتى تكتمل الخصوصية التي يتشبثون بها، وغالبا ما تكون الدولة في حيرة من مطالبهم.