العنوان أعلاه، هو عنوان مسلسل تلفزيوني أميركي "Blood and Oil" تم عرضه نهاية عام 2015، ويتحدث عن ثورة النفط الصخري التي اجتاحت الولايات المتحدة، وتدور أحداث المسلسل في ولاية نورث داكوتا حول حوض "باكن" (Bakken Formation) الذي يعد أكبر حوض مكتشف للنفط غير التقليدي، وهو الحوض النفطي الذي يمثل عنوان ثورة النفط الجديدة في الولايات المتحدة.

ورغم كون أحداث المسلسل خيالية، إلا أنه لم يخلُ من رمزيات لافتة للنظر أبرزها كون الشخصيات الرئيسية فيه تسعى إلى اكتشاف حقل ضمن هذا الحوض أكبر من حقل "الغوار" في المملكة، كما أن جزءا رئيسيا من أحداث المسلسل دارت حول وجود جاسوس "سعودي" مزروع في الشركة لسرقة المعلومات حول هذا الحقل ضمن المنافسة الشرسة بين السعودية ومنتجي النفط الصخري الجدد في الولايات المتحدة.

وبعيدا عن فكرة وجود جواسيس سعوديين مهمتهم البعد الاقتصادي وليس الأمني والسياسي كما هو متعارف عليه، وهو أمر مضت فيه الصين خطى بعيدة على سبيل المثال، إذ تم القبض على عدد من رجال المخابرات الصينية تم زرعهم في شركات أميركية كبرى لنقل التقنيات المتطورة، فإن اللافت في المسلسل هو تمثيله للمرة الأولى حالة التنافس الكبيرة والحقيقية بين المملكة ومنتجي النفط الصخري الجدد، وهي منافسة ليس متوقعا لها أن تهدأ، بل على العكس ستزداد ضراوة مع الوقت، وهذه المنافسة تمثل عنوانا رئيسيا في أزمة أسعار النفط الحالية، على اعتبار أن هناك أزمة أسعار بالفعل!

رسخ الإعلام وعدد من المحللين انطباعا عاما بأن الانخفاض الحاد الراهن في أسعار النفط هو نتيجة لاستمرار دول مجموعة "أوبك" في الإبقاء على سقف إنتاجها المرتفع، وعلى رأسهم المملكة، بإنتاج يومي يصل في المتوسط إلى 10 ملايين برميل "حوالي ثلث إنتاج أوبك".

لكن واقع الأمور يشير إلى أن ما يجري في سوق النفط العالمي حاليا أبعد ما يكون عن هذه التحليلات المرتكزة على التآمر، وأن السعودية قد تكون مهتمة بمنافسيها من منتجي النفط الصخري أكثر. ومع ذلك فإن هبوط أسعار النفط ليست له علاقة بالمملكة وإنتاجها بقدر ما له علاقة بآليات السوق والعرض والطلب.

يقول أستاذ الاقتصاد البحريني في جامعة جورج ميسون، عمر العبيدلي في مقال له بتاريخ 11 أبريل بعنوان "أوقفوا نظريات المؤامرة الخاصة بانهيار النفط"، أنه منذ يناير 2014 وحتى أكتوبر 2015 ارتفع الإنتاج العالمي للنفط بمقدار 3.5% فقط من 77.3 مليون برميل في اليوم إلى 80 مليون برميل، بينما انهارت الأسعار من منتصف 2014 بحوالي 70%. وخلال هذه المدة لم يرتفع الإنتاج السعودي إلا بمقدار 200 ألف برميل في اليوم فقط، بينما ارتفع الإنتاج الأميركي للمدة نفسها بمقدار 1.4 مليون برميل في اليوم والإنتاج العراقي بمقدار 1.2 مليون برميل في اليوم.

لقد حافظت كل من السعودية وروسيا "أكبر منتجي نفط في العالم" على معدل إنتاجهما الذي يراوح في حدود 10 ملايين برميل في اليوم، وذلك منذ 2011 وحتى 2015، بينما في المقابل ارتفع الإنتاج الأميركي من حوالي 5.5 ملايين برميل في اليوم عام 2011 إلى 9.5 ملايين برميل في 2015، وكذلك ارتفع الإنتاج العراقي بحوالي الضعف من 2 مليون برميل في اليوم عام 2011 إلى أكثر من 4 ملايين برميل عام 2015.

انهيار أسعار النفط عن معدلاتها غير المسبوقة خلال الأعوام الماضية، هو نتيجة طبيعية لآليات العرض والطلب، فاقتصادات الدول الكبرى من مشتري النفط "الصين والاتحاد الأوروبي والهند واليابان" تشهد تباطؤا في النمو وانخفاضا في الطلب، ومن جهة أخرى ارتفع العرض من الدول المنتجة للنفط سعيا إلى تحقيق المكاسب فتولد الفائض الدافع لانخفاض الأسعار.

وإذا كنا في المملكة اليوم نشعر بوطأة هذا الانخفاض الحاد في الأسعار، فهذا لا يعني بالضرورة أننا نخسر، فتاريخيا لم ترتفع أسعار النفط بالشكل الذي شهدناه خلال العقد الماضي إلا في أوقات الأزمات السياسية المسببة لارتفاعات سعرية مثل عامي 1973 و 1979، ومرد أزمة أسعار النفط في المملكة هو أننا ألزمنا أنفسنا بخطة تنموية ذات إنفاق عال، تسببت في توليد عجز مع أول هزة أو حركة تصحيحية في أسواق النفط، لكن سعر برميل في حدود 40 دولارا يعني أننا نربح ما يقرب من 30 دولارا في البرميل، وعليه فإن التعديل الاقتصادي الذي يتوجب على المملكة السعي إليه هو تصحيح الإنفاق وترشيده ليتوازن مع هامش ربح أقل.

سياسة المملكة بالمحافظة على حجم إنتاجها وحصتها السوقية ليست اختيارا بقدر ما تفرضه عليها ظروف السوق نفسه، فأي خفض في الإنتاج ستقوم به المملكة سيتم ملؤه فورا من خلال المنتجين الآخرين الطامعين في زيادة حصتهم السوقية، وهو ما سيتسبب في نهاية المطاف بعدم التأثير في الأسعار وفي خسارة المملكة لحصة من سوقها. وقد جربت المملكة هذا الأمر سابقًا خلال أزمة أسعار النفط في الثمانينات وتعلمت الدرس من التاريخ.

من جهة أخرى، فإن قيام دول أوبك مجتمعة بخفض جماعي للإنتاج بهدف رفع الأسعار أمر مستبعد، ليس فقط لوجود خلافات سياسية وتنافس داخل المجموعة يؤدي إلى عدم التزام بعض الدول بالخفض، بل لأن أي خفض من طرفهم ربما يتسبب في قيام منتجين من خارج أوبك بزيادة إنتاجهم لرفع حصتهم السوقية.

وأخيرا، فإن خفض الإنتاج وارتفاع الأسعار سيعني مع الوقت عودة منتجي النفط الصخري إلى المشهد، وهو ما يعيد الكرّة نفسها مرة أخرى.

استشهد العبيدلي بدراسة للدكتور جيف كولجن من جامعة براون، توضح أن أعضاء أوبك لا يلتزمون 95% من الوقت بالكوتا "حصص الإنتاج" المحددة لكل دولة، ومن ثم فإن تاريخ أوبك يؤكد عدم فعالية اتخاذ خطوات لتحديد سقف الإنتاج، وما نشهده اليوم هو تماما مثل ما شهدته أسواق النفط خلال أزمة الثمانينات، وبالتالي فإن سياسة المملكة النفطية نابعة من دروس التاريخ، ومن وعيها بأن مصلحتها طويلة الأمد هي الإبقاء على حصتها السوقية، وعلى سقف أسعار معقول لا يتيح لمنافسيها، خاصة أولئك خارج أوبك المعتمدين على أسعار مرتفعة، الدخولَ إلى الأسواق والمنافسة.

إن فعالية أوبك لأن تكون "كارتل" نفطي "اتحاد احتكاري" وقفت وتقف أمامه عدة عقبات هيكلية، مما يجعل تأثير أوبك النفسي على الأسواق أكبر من تأثيرها الفعلي، لكنه أمر لن يستمر، ولا توجد رمزية على هذا الأمر أبلغ من أن اثنين من أكبر ثلاثة منتجين للنفط في العالم "روسيا والولايات المتحدة" خارج مظلة أوبك، بل في منافسة شبه عدائية معها في أسواق النفط.

إن توسيع عضوية أوبك بالسعي إلى إقناع روسيا وكازاخستان وأذربيجان على سبيل المثال بالانضمام، ربما تعطي قبلة حياة للمنظمة خلال العقود القادمة، لكن واقع الأمور أن أوبك تنهار ببطء من الداخل.

المملكة ليس أمامها سوى الاستمرار في سياستها التي تصب في مصلحتها في المقام الأول، ولعله آن الأوان لأن نبدأ في اتخاذ خطوات جدية نحو الاستثمار في مصادر بديلة للطاقة "الشمسية على وجه الخصوص" لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه، مما يحرر مزيدا من النفط المستهلك محليا "حوالي 4 ملايين برميل" لتصديره والاستفادة منه مصدرا للدخل، فمصلحتنا على المدى الطويل هي إبقاء سعر النفط في الحدود التي لا تسمح بزيادة المنافسة من المنتجين أو التوسع في البدائل، وهو ما يستلزم سياسة ترشيد اقتصادي في الإنفاق، وتحرير الاستهلاك الداخلي المتزايد، كي نظل "ملوك النفط"، بحسب تعبير الصحف العالمية، وهذه إستراتيجية ستضطرنا إلى إراقة دماء المنافسين على جوانب النفط، لكنها واقع اللعبة بين الأمم.