اعلم رعاك الله أن عملك في أي قطاع بمثابة معركة حامية الوطيس، إن لم تكن فيها سَبْعا أكلتك الضباع، تعامل مع الوظيفة أنها حربك الضروس، فلا تدع للأخلاقيات والمبادئ مكانا في هذه الحرب، دع عنك ما ورثته من حكم ونصائح بالية، حيث من جد وجد ومن زرع حصد، فما نيل المطالب بالتمني يا موظف ولكن تؤخذ الدنيا غلابا، وبمبدأ الغلبة كن منذ يومك الأول في الوظيفة فهلويّا. تعلّم أساسيات التزلف ومسح الجوخ، ادهنْ السير، افرشْ لسانك لتسير عليه، مارسْ النفاق الوظيفي بلا خجل، مارسه حتى تصل أو لن تصل.

ثم تعال لأحدثك كيف تصل، لكن قبل البدء هل لاحظت كيف أن جميع الدورات والكتب المختصة في تطوير الذات والتأهيل الوظيفي مخادعة "طريقك نحو التميز الوظيفي، حل المشكلات الوظيفية، التخطيط نحو الارتقاء.. إلخ".

كل هذه الدورات مخادعة، ولا تمت إلى الواقع بصلة. الجميع يحثك بأن تجد وتجتهد وتثابر وتسهر الليالي، كي تثبت نفسك وتنجح في مقر عملك، وبعد أن تنتهي من الدورة أو قراءة الكتيب ستُفاجأ بأن متطلبات النجاح الوظيفي على أرض الواقع لا علاقة لها بسهر الليالي، وما يرافقه من قلق وأرق أو جد واجتهاد، فما الحل؟!

الحلّ أن تثقف نفسك بنفسك، أن تلاحظ وتدرس ثم تستنتج ما يحصل حولك في مقر العمل، وما ستجده على أرض الواقع هو شيء مختلف تماما عن الأخلاقيات والمبادئ التي لقنوك إياها منذ الصغر، ستلاحظ مثلا أن سر نجاح زميلك في أن وجهه خال من الملامح، وهذا أمر لن تجده في كتاب أو دورة إنما في طبيعته، فلازمه كظله إن كنت تريد فعلا تحقيق النجاح، تعلم منه كيف تترقى وتنال مبتغاك عبر مسح ملامح وجهك على كرسي المدير.

لاحظ أثناء قيام سعادة المدير العام بالتحدث في الاجتماع كيف يقاطعه زميلك صارخا: لم أتمالك نفسي أمام روعة كلماتك. إن ما تنطق به يصلح أن يكون دستورا لنا ومنهاج حياة.

أما إن سكت سعادته، فلاحظ كيف يزحف زميلك الآخر ليهمس بصوت مسموع: سبحان الله، إن لصمت سعادتك هيبة ووقار تليق بأصحاب المناصب.

الآن تأمل كيف يقوم سعادة المدير بالموافقة على صرف البدلات للأول، وكيف يقوم بترشيح الثاني لحضور دورة أسبوعين قابلة للتمديد خارج البلاد. مثل هذه التصرفات لن تجدها في دورة أو كتاب.

فمثلا، حين يطلب منك المدرب خلال دورة "التميز الوظيفي" أن تضع نصب عينيك خدمة دينك ووطنك ثم المؤسسة التي تعمل فيها، لا تهتم بكل ما قاله، فعلى أرض الواقع المدير هو قبلة الموظفين، هو المحور وهو كل القضية، عليك أن ترضيه وتدخل البسمة على ثغر سعادته كي تنال ما تريد، أسمعْه نكتة في هذا الصباح الباكر، أو بيت شعر مكسور، والأجمل من هذا وذاك أن تنقل له ما يدور بين الموظفين، حينها ستنال الحظوة وتصبح أنت الأهم في نظر سعادته، تجاهل نظرات الاحتقار التي يرمقك بها زملاؤك، فالعبرة بمن يضحك أخيرا، أو على الأقل بمن يستمر ضاحكا حتى التقاعد.

موضوع الترقية مثلا، وبمبدأ المفاضلة، قد يذهب لصاحب الخبرة أو صاحب الشهادات والدورات أو بالأقدمية، كل هؤلاء قد ينالون الترقية فعلا، لكن كان بإمكانهم اختصار المسألة بخروج أحدهم فورا من الدوام إلى أقرب فندق 5 نجوم وحجز جناح لليلتين شاملتين الإفطارَ والعشاء وجلسة مساج مع طقطقة رقبة، ثم العودة سريعا إلى العمل والتوجه إلى سعادة المدير، وتقديم هذه الهدية مرفق معها عبارة: إنها هدية متواضعة لا تليق بمقامكم الكريم، أعرضها وكلي آمل أن تستجم وترتاح من عناء حمل هم المؤسسة. في هذه اللحظة، يحق لك أن تنزع شهادتك من على الجدار وتتأملها لدقيقة ثم تلفها وتضعها في درج المكتب غير مأسوف عليها.

لقد تطور النفاق الوظيفي اليوم بشكل كبير، فبعد أن كان مسح الجوخ مجرد هواية، أصبح اليوم احترافا يحتاج دورات مكثفة، بعد أن كان التزلف رديفا للوضاعة تحول اليوم إلى فن رفيع المستوى، والعزف فيه يمارس على جميع النوتات، بعد أن كان إعراب التملق "في محل نصب" بات يُعرب "في محل تقدير"، بل يمكن القول إن النفاق الوظيفي بات أحد التخصصات القليلة التي تجرى عليه عمليات تحسين وتطوير مستمرة، كيف لا وهو التخصص الوحيد الذي يضمن لممارسه أن يقطف حلو الثمار، دون الحاجة إلى أن يزرع أو حتى يتسلق الشجرة، بينما الجد والاجتهاد وسهر الليالي أمور تترك الموظف يقضي معظم فترة الدوام وهو "متشعبط" على الشجرة دون أن يحصد شيئا مما زرع.

ولكن ثم لكن، رغم أن هذا النهج الوضيع قد يحقق لك عزيزي الموظف الكثير جدا من المكتسبات والمميزات، إلا أن به عيبا وحيد يجعلك على رأي إخواننا المصريين "في نص هدومك ورقبتك قد السمسمة"، هذا العيب هو أن يضع الله في طريقك مديرا "غتت ما لوش صاحب" تستقبله كما اعتدت بفطور شهي فاخر، وقبل أن تلقي القصيدة الترحيبية التي سهرت عليها 3 ليال يفاجئك بقوله: روح شف لك شغلة الله يصلحك، أنا جيت للعمل ما جيت أدور فطور!