تنامت الأحداث البشعة التي يرتكبها تنظيم داعش الإرهابي بشكل يدعونا إلى مزيد من اليقظة، إذ لا حرمة لمكان ولا قدسية لزمان ولا لكائن من كان في عرف تنظيم طائش.

مجتمعنا مستهدف عند هذا التنظيم الداعشي، بدليل أننا شهدنا أخيرا تناميا موحشا لنشاط هذا التنظيم البغيض، إذ طالت يده السوداء كل الاتجاهات، وحاولت سرقة كل معنى للفرح، وكل موطن طمأنينة روحية فينا.

الجديد والمزعج، أن التنظيم هنا بدأ يتجه نحو اختراق أهم مكوناتنا الاجتماعية "الأسرة"، فيما مجتمعنا بعد كل جريمة قتل ينفجر رافضا "هؤلاء لا يمثلوننا"، قلناها بعد مقتل رجل الأمن بدر الرشيدي، رددناها بعد كل جريمة، وصولا إلى جرائم قتل الأم واستهداف الحرم المدني. جميعنا ذهب نحو توصيف الحوادث ووصفناها بالبشعة والمأساوية والفعل الإجرامي المشين.

الكل تقريبا قال إن "داعش" اخترق الأسر السعودية، والجميع يدرك أن الأسرة السعودية باتت على المحك، وأنها تواجه خطر تسرب أبنائها من بين أيديها كتسرب الماء من بين الأصابع، هذه الحقائق أدركناها ووعيناها، ولم تعد محل شك.

ونحن منذ حين نتابع ونقرأ ونسمع مطالبات الجهات الأمنية المستمرة لأولياء الأمور، بضرورة مراقبة أبنائهم ومتابعة سلوكياتهم، وبتنا ندرك جسامة المشكلة وخطورتها، حتى وإن اعتقد بعضنا أن تلك المطالبات تجيء من باب النصح والإرشاد.

ما فجعنا به حقا، هو تطرف التوحش نفسه، حين طال رمزية الأم بكل ما تحمله من معان ضخمة، تلاشت أمام دماغ أسود يدير هؤلاء أو يستقبل طلبات التبرع بالجرائم، من معاتيه.

بتنا الآن أكثر إدراكا لحقيقة معاشة تقول إن ما يحدث أبشع مما كنا نتصور، وأشد خطورة مما كنا نتوقع، لكننا ما زلنا نجهل أسباب تبني أبنائنا فكرا خطيرا دون سابق إنذار!

نحن نعرف أننا كأسر نبدو عاجزين عن تشخيص هذا الواقع والتعاطي معه.

هنا يبرز دور العلم في دراسة الظواهر وتفسيرها، واقتراح حلول لها عبر البحث العلمي والدراسات الميدانية، والبرامج الجادة والدراسات المتعمقة.

من الغريب واللافت أن نقرأ أن جامعة جورج تاون تلقت هبة بمبلغ 10 ملايين دولار لأبحاث المحرقة النازية ضمن برنامج "الدراسات اليهودية" وهي محرقة مضى عليها 70 عاما.

فيما نحن نصطلي بنار فكر إرهابي تكفيري يفجر مساجدنا ويغتال أبناءنا وينشر الرعب فينا، بقتل الأم والأب والإخوة وتدمير معاني الأسرة وقيمها الخالدة، ومع هذا لا نتحرك نحو العلم لدراسة الظاهرة؛ لا نكاد الآن نرصد أي تحرك جاد من جامعاتنا العزيزة، ولم نسمع عن هبات ولا أوقاف من أثريائنا لمصلحة برامج تعنى بدراسة الإرهاب والفكر الداعشي!

فقط نكتفي بالرفض والاستنكار وترديد عبارات من قبيل "هذا الفكر لا يمثلنا"، وممارسة التحذير منه بطريقة بدائية، وعبر برامج توعوية بعضها يأتي في قوالب بالية لا تواكب العصر، ولا تخاطب عقول الجيل، مكتفين بالحل الأمني في وقت تبرز فيه الحاجة إلى البحث العلمي، وإيجاد برامج تعنى بدراسة الفكر الإرهابي، وتعكف عليه دراسة وتحليلا.

الواقع يقول "إن داعش، كأي ظاهرة، سيظل معنا حتى تنقطع أسباب وجوده"، ولن نهتدي إلى معرفة أسباب وجوده الحقيقية والكاملة إلا عبر العلم.