"غصن عمري التوى

على نخلة في العراق

فإن شاءت الريح أن نفترق..

نفترق

غير أني أموت، ويبقى العراق"

القول أعلاه للشاعرة العراقية ساجدة موسوي، ولعله أعظم ما قيل في حب الوطن، فهو يبيِّن إلى حد درجة التصاق الإنسان بوطنه، حتى لكأن إرغامه على الخروج منه بمثابة انتزاع الروح من الجسد، فالإنسان مهما هاجر وابتعد وسافر واغترب يبقى حنينه أبداً للوطن، لذا فإن أعذب ما كُتِبَ عن الوطن كان بلسان شعراء المهجر، وبمثل هذه المشاعر الوطنية الصادقة تمكن العراق أن يُلحِق هزيمة مذلة بإيران، عندما كانت خارطة العراق عبارة عن فسيفساء جميلة من السنة والشيعة والكرد والعرب وحتى المسيحيين واليهود، ما إن تنزل بالوطن نازلة حتى تراها منصهرة كلها في لون واحد هو علم العراق، العراق قبل أن تختطفه مجموعة من اللصوص والإرهابيين والعملاء والخونة من أمثال المالكي والعامري وسليماني والبغدادي ثم تبدأ في التفاوض عليه، وهو الآن تائه في عرض البحر بلا قائد تتلاطمه الأمواج، وتهب عليه رياح التطرف عاتية من كل جانب، فهناك الميليشيات العميلة التابعة لإيران تذرع شوارعه وتطوف مدنه وقراه لتقوم بتصفية حساباتها وأحقادها وعقدها مع كل العراقيين الشرفاء الذين كان لهم دور بارز في إذلال الصفويين وتمريغ أنوفهم بالتراب، إبان حرب الثماني سنوات، فحدثت مجازر وتصفيات وتهجير بحق العلماء والمفكرين والضباط والطيارين وكل من كان له شرف الدفاع عن وطنه وعروبته، تحت مسميات (اجتثاث البعث) تارة، وبمبررات استمرار المعركة بين (أحفاد الحسين وأحفاد يزيد) تارة أخرى، فانقسم العراق إلى سنة وشيعة، ووصل الاستعار الطائفي إلى ذروته، توقِده التفجيرات العشوائية في الأسواق الشعبية المكتظة والمقاهي والمساجد، فلا تكاد تختفي من مكان حتى تضرب في مكان آخر، وكلما تأخرت داعش في القيام بهذا الدور، قامت المخابرات الإيرانية بتنفيذه بدلاً عنها، على أن تتبنى التفجيرات داعش في كل حال، من أجل أن تبقى جذوة الطائفية مشتعلة، وحتى يكون الولي الفقيه هو القائم بدور المخلِّص لشيعة العراق من جحيم داعش؛ كما وُلد لداعش أخ آخر غير شقيق ليساعده في القيام بهذا الدور اسمه (الحشد الشعبي)، ولينضم إلى بقية أشقائه من الميليشيات الشيعية المتطرفة، والتي لا تقل تطرفاً عن داعش، إمعاناً في تأجيج هذا الصراع والوصول به إلى أقصى درجات الكراهية والاحتراب الطائفي، هذا مع العلم أن هذه الجماعات المتطرفة بمختلف أصنافها إنما تستهدف المكوّن السني بشكل منظم، وإن احتاجت في بعض الأحيان إلى التضحية بالبسطاء من الشيعة العرب بمقدار ما يرعب هذه الطائفة ويبقي آمالها معلقة بإيران من أجل حمايتها وتخليصها من هذا الغول الداعشي، وإذا كان المجرم يُستدَل عليه بالمستفيد من الجريمة فهذا يقودنا إلى أن داعش والحشد الشعبي وجهان لعملة واحدة هي إيران، مع التأكيد على أن وسائل التجنيد تختلف باختلاف طبيعة الأشخاص المجندين، ومع الاعتراف أيضاً بأن كثيراً من المنخرطين السُذّج في صفوف داعش لا يدرون أنهم ثائرون ومستعبدون في نفس الوقت!.

يجب الاعتراف بأن المخابرات الإيرانية قضت تماماً على التعايش في العراق، كما نجحت في تقسيمه إلى سنة وشيعة، وعزله عن محيطه العربي، وإذا لم يكثِّف الإعلام العربي من خطابه القومي الموجه إلى الشعب العراقي مباشرة، مستنهضاً همته وإباءه ومذكراً بتاريخه وعروبته، إضافة إلى تسليط الضوء على ممارسات إيران القمعية بحق الشيعة العرب في الأحواز، فإني أخشى أن يأتي يوم تُمسَح فيه هوية العراق العربية من الذاكرة!.

 ولا بد من نحر الطائفية وإصدار قوانين صارمة تجرِّمها، بعد أن باتت هي السلاح الأمضى في يد الأعداء، مثلما استخدمته إيران في التحريش بين سنة العراق وشيعته؛ هذا يلوذ بداعش والقاعدة من أجل حمايته من "فيلق بدر" و"جيش المهدي" و"عصائب أهل الحق" و"جيش المختار" و"لواء أبوالفضل العباس"، وذاك يلوذ بكل هذه الجماعات، مضافاً إليها "الحرس الثوري الإيراني" و"حزب الله" من أجل حمايته من "داعش" و"القاعدة"، مع أنه لو كان لدى العراق جيش وطني لما وجدت هذه الجماعات الإرهابية موطئ قدم لها في بلاد الرافدين، غير أن ذاك الجيش البطل تم حله، وتصفية قادته وأبطاله، ثم أعيد بناء جيش جديد؛ يقوم على أساس طائفي؛ مجرّد من أيِّ عقيدة قتالية، أو روح أو حتى قيادة وطنية، ولاؤه للخارج أكثر من ولائه للعراق، يأتمر بأوامر الولي الفقيه، حتى إنه ليقاد الآن من قبل "قاسم سليماني" و"هادي العامري"، فكانت النتيجة جيشاً ضعيفاً مهلهلاً لا يقدر إلا على تصفية النساء والأطفال والأبرياء العزَّل، لكنه يطلق ساقيه للريح عند أبسط مواجهة فعلية، حتى إن فلول الإرهابيين من داعش لتطارده من مدينة إلى مدينة، ومن قرية إلى قرية، وتحتل الموصل - ثاني أكبر مدن العراق - في ساعات معدودة!.

قبل ثلاث سنوات، حدثت عملية اقتحام للسجون العراقية من قبل تنظيم القاعدة بطريقة دراماتيكية، وبتواطؤ واضح من حكومة المالكي آنذاك، فتم تحرير المساجين وقتل كثير من الجنود العراقيين، ليظهر بعدها تنظيم داعش ويتمدد بشكل سريع جداً في كل من العراق وسورية، ويُحدِث كثيراً من التحولات في هذين البلدين، لعل من أبرزها سيطرة هذا التنظيم على كثير من المناطق السنية في العراق، ووأد الثورة السورية، بعد تشتيت الثوار وإحداث الفرقة والاقتتال فيما بينهم، فكانت النتيجة تجريم الثورة السورية وتراجع أعداد المتعاطفين معها بسبب ما أُلصِق بها من ممارسات هذا التنظيم الوحشية، إضافة إلى محاصرة المناطق السنية في العراق وإبادة أهلها بذريعة محاربة داعش، وكذلك توغل إيران وتدخلها المباشر في العراق بتسهيلات من عملائها في الداخل، ولعل آخر ذلك محاصرة الفلوجة هذه الأيام وإبادة أهلها من قبل الحشد الشعبي، والجيش العراقي، حتى إن هذا الجيش ليسوق المدنيين العُزَّل على طريقة المتطرفين ثأراً لما فعلته داعش في قاعدة سبايكر، كما صرَّح بذلك أحد الجنود مضيفاً أن: البادي أظلم!، فلا أعرف ما ذنب هؤلاء المساكين العُزَّل ليكونوا بين مطرقة داعش وسندان الجيش العراقي!، لكني على يقين أن المحتل سيمضي، وأن هذا الليل الطويل سينجلي، وستشرق شمس العراق من جديد.