"لدينا أسوأ بنوك في العالم" حقيقة ربما قد تكون صادمة للبعض، لكن الواقع الحالي يؤكد ذلك بعد مرور عقود عديدة على بدء تلك المؤسسات ممارسة نشاطها، فبنوك المملكة الوحيدة في العالم التي لا تعطي فوائد "أرباح" على الودائع لأسباب فقهية لست بصدد الحديث عنها، بيد أن الموضوع لا يقتصر على ذلك فقط.

القوانين الخاصة بالتعاملات البنكية في اعتقادي تحتاج لإعادة نظر لا سيما الجزئية الخاصة باحتكار البنوك وغلق باب المنافسة عبر الاستثمار في هذا المجال الاقتصادي المهم، فالبنوك الحالية جميعها وبلا استثناء استغلت تلك القوانين -الخاصة بالتنافس- في مزيد من الاحتكار الذي وفرته البيئة القانونية كما أسلفت.

في كثير من دول العالم نجد المؤسسات المالية "البنوك" تتصدر الواجهة في ما يخص الدعم المجتمعي وهي "الجزئية ذات الصلة بالمساهمة في دعم نشاطات المجتمع"، وأهمها الصحة والتعليم والإسكان، إلا أن تلك الجزئية مغيبة تماما لدى بنوك المملكة دون أسباب تذكر.

احتكار المؤسسات المصرفية وغلق باب التنافس "الاستثمار" فيها وفرا أرضا خصبة لتك التعاملات التي طال الأمد للسكوت عنها، وصار لزاما على مسؤولينا، حفظهم الله، التنبه لها والعمل على إعادة تصحيح مسارها نحو الطريق المتوافق مع الرؤية التطويرية 2030 التي أعلن عنها سمو ولي ولي العهد سابقا.

على سبيل المثال لا يستطيع مواطن مغلوب على أمره اللجوء إلى تلك البنوك في الشدة، إن أراد تأمين نفسه وأولاده بسكن، كون الإسكان بعيدا تماما عن خطط البنوك، مع أن الأمر أصبح مجرد إجراء ورقي في معظم البنوك الخليجية الأخرى وحتى تلك الأقل قوة اقتصادية من المملكة.

وعلى الرغم من التريليونات والدشليونات -سموها ما شئتم- التي تسجلها تلك البنوك والمؤسسات كأرباح صافية سنوية منذ عشرات السنين إلا أن كل ذلك لم يحرك مشاعر القائمين عليها تجاه المواطن.

التحولات الاقتصادية التي أعلنتها المملكة والتحديات التي سترافقها مستقبلا تستلزمان فرض دور "إجباري" على تلك المؤسسات المصرفية في الدعم المجتمعي للأفراد عبر مشاريع الإسكان التي يحتاجها حتى المواطن الميسور الحال، فما بالنا بالمعدم أو محدود الدخل.

في دول أخرى عديدة ومنها بعض دول العالم الثالث يكون لتلك المؤسسات دور ريادي وملموس في عملية التحولات الاقتصادية ذات الصلة بالمجتمع، فنراها تقدم القروض الميسرة فيما يخص الإسكان للأفراد أو التجمعات السكانية الكبيرة والتي تكون على شكل مدن شبابية أو ما شابه ذلك.

اليوم، وقبل غد، يجب إعادة النظر في القوانين التي تختص بتلك المؤسسات الربحية التي لم يجني منها المواطن أي شيء، وعلى سبيل المثال يمكن فرض نسبة معينة تصل إلى 5% أو 7% على المؤسسات التي تزيد أرباحها عن 200 مليون ريال "سنويا" ويتم تحويل تلك الموارد عبر صندوق مخصص إلى قنوات مالية تصب في الدعم المجتمعي مباشرة.

كما يمكن أن تسهم تلك المبالغ المستقطعة في التخفيف من نسبة تحمل المواطن كلفة الإصلاحات السعرية المتوقع إعلانها تباعا، في إطار خطة الإصلاح الاقتصادي الشامل، كون تلك الجهات الربحية التي جنت مبالغ خيالية خلال سنوات دون أي مساهمة مجتمعية أحق بتحمل كلفة الإصلاحات من المواطن المسكين.

في سنوات عديدة خلت وحدها شركات الاتصالات تصدرت المشهد في الدعم المجتمعي للكثير من النشاطات ذات الصلة بالمجتمع، وهناك أمثلة إيجابية أخرى، منها مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي، ومؤسسة الراجحي للأعمال الخيرية، ومؤسسة الوليد بن طلال للأعمال الخيرية والإنسانية، والدور القادم على المؤسسات البنكية يجب أن يكون ملموسا على كافة الأصعدة.