شهدت الأيام الماضية حراكاً محلياً مبشراً حين أطل الوزراء - كل في مجاله - ليعلنوا أمام المتابعين من خلف الشاشات أو أمام حشد الصحفيين عن الإستراتيجيات والخطط المرصودة في برامجهم التحولية التي سترسم خطواتهم ومساراتهم خلال السنوات الأربع القادمة، وهي التي تفصلنا عن محطة الوصول عند عام 2020 كجزء أولي لرؤية المملكة 2030.

ما يجعل الأمر مختلفاً هذه المرة أن التحول يأتي ضمن خطة تحولية لأجهزة الدولة على نحو تتكامل معه الوزارات في المشتركات التي تجمعها، ورغم ذلك فإن برامج التحول الجماعية هي من المحفزات التي ستدخل الوزارات والوزراء في حلبة التنافس بينهم على جودة الأداء وبراعة التنفيذ وصولاً إلى تحقيق الأهداف المرسومة، مما سيجعل مردود ذلك ينعكس إيجاباً لمصلحة الوطن والمواطن والمقيم على حدٍ سواء.

ويرفع من درجة التفاؤل أن الأمر يخضع للرقابة والمتابعة، بحيث ستكون هناك أدوات مباشرة للمحاسبة والتقييم، وستخضع كل المشاريع والخطط لمؤشرات خاصة للمتابعة وقياس الأداء، مما سيحول بإذن الله دون الدخول في معمعة تعثر المشاريع.

لقد زاد من قيمة وأهمية المؤتمرات التي عقدها الوزراء لتقديم برامجهم التحولية، خضوعهم لمقصلة أسئلة الصحفيين التي ابتعدت عن المجاملة والمهادنة، كما لم يكن هناك سقف أو فرز لنوعية الأسئلة على النحو الذي فتح المجال واسعاً للشفافية والصراحة من الطرفين.

وإلى جانب ذلك فإن الوسائط الحديثة ووسائل التواصل عبر منصاتها المتعددة ستكون رافداً رقابياً، وسيتعين عليها متابعة تنفيذ ما أعلن عنه من برامج وزارية بالقدر الذي سيجعل هذه البرامج في فوهة المتابعة الحثيثة من قبل المواطن الذي صار يملك منصته الإخبارية والرقابية وهو رئيس تحريرها الذي يقرر ما ينشر وما لا ينشر.

أجل فلم يعد الوزراء قابعين في أبراجهم العاجية يمارسون - كما كان يحدث أحيانا - عزلتهم وفوقيتهم ويتمتعون بحصانة تقيهم لسعات المساءلة وإلحاح المتابعة، بل لقد أصبح كرسي الوزير ساخناً حتى صار معه الوزير يحسب خطواته ويرصد همساته ويحبس أنفاسه بعد أن أصبح محاصراً بالأجهزة الذكية التي تقتعد له كل مرصد، وإذا كان لهذه الأجهزة سلبياتها بحسب من قد يسيئون توظيفها واستخدامها ويتعمدون تحري وتصيد الأخطاء بلؤم وكيد واضحين إلا أن ذلك كله قد جعل أصحاب "المعالي" على درجة عالية من التوجس والحذر، فهم يسعون ما أمكنهم أن يتجنبوا المزالق.

لكننا ونحن بصدد خطة التحول فإن الوزراء بلا شك قد أصبحوا موقنين أن غداً لناظره قريب، وناظره هذه المرة يتمثل في رقابة المواطن وكذلك مجلس الاقتصاد والتنمية ووزارة الاقتصاد والتخطيط، والوزراء مجتمعين يعلمون أنهم وأجهزتهم التنفيذية قد أصبحوا بعد مرحلة الإعلان عن برامجهم تحت مجهر المسؤولية، حيث صارت وعودهم حجة عليهم بالشكل الذي لا شك سيدفعهم إلى تسريع وتحسين الأداء، وهم من بعد خروجهم وإعلانهم أمام الناس قد أصبحوا محاصرين بمؤشرات قياس الأداء.

أرجو أن نكون في هذه المرحلة قد غادرنا جميعاً محطة الوعود والتنظير والكلام الإنشائي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، وأن نكون قد عزمنا من الآن فصاعداً على الدخول إلى ميادين الإنتاج والحصاد، فقد رفعت الأقلام وجفت الصحف.