في يوم الخميس 26 مايو 2016 نشر الدكتور على فخرو مقالا في جريدة الشروق، أشاد فيه بمبادرة لبنانية تمثلت في قيام مجموعة من المواطنين بالاحتفال بعيد مريم العذراء بصورة مشتركة فيما بين المسيحيين والمسلمين، وعدّ ذلك إبداعا في طرق التعايش بين مكونات المجتمع الذي لا يجب أن  يتوقف عن التجدُد والتنوع.

وقال في مقاله "تكمن عبقرية هذا الإبداع في الاستفادة من مكانة مريم العذراء الدينية، كأم للمسيح عيسى عليه السلام، وكرمز للطهارة والألق الروحي، في الديانتين: الإسلام والمسيحية، لتقريب أتباعهما ولبناء مشاعر القبول بالآخر والتعايش معه في سلام ومحبة وفرح وانفتاح".

واقترح في مقاله أن يتم الشيء نفسه بين السنة والشيعة متسائلا: "لماذا لا توجد مراسم عاشورائية مشتركة بين الشيعة والسنة وأتباع بقية المذاهب الإسلامية الأخرى، وذلك لإحياء ذكرى ثورية وبطولة واستشهاد الإمام الحسين في كربلاء"؟

في هذين المثالين، أراد الدكتور علي فخرو أن يطرح مفهوم التعايش والتسامح الذي عملت وما زالت تعمل عليه المملكة منذ زمن، عندما أنشأت مركز حوار الأديان في العاصمة النمساوية فيينا، وأقامت هنا الحوارات تلو الحوارات للتقارب بين المذاهب. وفي رأيي أن ما طرحه الدكتور فخرو فيما يتعلق بإقامة "مراسم عاشورية" من السنة تسطيح متناه للمشكلة، ولا أظن مفكرا في مستواه يعتقد أن إقامة مثل هذه المراسم ستنهي المشكلة حتى لو كانت "المراسم المشتركة، بلغة مشتركة وفهم موحد وفخار بالبطولة الحسينية الواحدة"، لن تعمل كما قال على إشعارنا بالمشترك وبفهم بعضنا بعضا، وأن نكون إخوانا متحابين.

المشكلة ببساطة لا تتعلق بالمذهب ولا تتعلق بالدين، بل تتعلق بعامل خارجي يخطط ويصرف ويستخدم الدين والمذهب من أجل أهداف سياسية تسعى إلى السيطرة على المنطقة. هذه أصبحت مفهومة للقاصي والداني.

نظام الملالي في إيران وراء كل تلك المشكلات والانقسامات التي تحل بالوطن العربي. هو وراء مشكلات العراق وسورية واليمن ولبنان، ويحاول أن يضع له موطئ قدم يسيطر خلاله على بلاد العرب والمسلمين، وينفق في سبيل ذلك الغالي والرخيص ولو على حساب اقتصاد شعبه.

المشكلة لا نحجمها في إقامة احتفال مشترك أو "عاشوارئية" مشتركة حتى لو قام فيها السنة باللطم وترديد الأهازيج. المشكلة أكبر وأعمق وأخطر من ذلك بكثير. المشكلة في نظام يريد تصدير ثورته وبسط نفوذه وسيطرته علينا جميعا. نظام لم يستجب للدعوات المخلصة والمبادرات الطيبة، والتغاضي عن تصرفاته على مدى عقود.

على مدى التاريخ ذكر الدكتور علي فخرو أن المسلمين على اختلاف المذاهب متحابون متعاونون، وليس أصدق على ذلك من الأمثلة التي ذكرها حين استشهد بما لخصه الدكتور مصطفى الشكعة في كتابه "إسلام بلا مذاهب" عندما قال: "وهكذا نجد تلك الروابط الأكيدة التي تجمع بين السنُة والإمامية في شخصَيْ مالك وجعفر، وبين السنة والزيدية في شخصَيْ أبي حنيفة وزيد، وبين السنة والمعتزلة في أشخاص: الحسن البصري، وعمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، وبين الزيدية والمعتزلة في شخصَيْ زيد وواصل، وبين الزيدية والإمامية في شخصَي الأخوين زيد ومحمد الباقر، وبين السنة والخوارج في شخصَي البخاري وعمران بن حطان الذي أملى الحديث على البخاري، بل الخوارج والإباضية، بصفة خاصة، هم أول من جمع الحديث".

هناك كانت النوايا طيبة، ولم تكن هناك خطط و"أجندات" على غرار تلك التي يسعى إليها نظام الملالي. سلامة الصدور والنوايا الطيبة تذيب الفوارق وتنهي المشاكل مهما كبرت والعكس صحيح.

أظننا في هذه المرحلة قد تجاوزنا ما يطلبه الدكتور فخرو في مقاله. فكل التجارب مع هذا النظام لم تُفد. بل ربما فسرت التنازلات والنوايا الطيبة والصدور السليمة على أنها ضعف. وأظننا وصلنا إلى قناعة تامة في هذه المرحلة أن الحل هو "الحزم والعزم"، وأن المنطق اليوم هو منطق القوة، ويبدو أن هذا النظام الذي يثير الفتن والقلاقل في طول البلاد العربية والإسلامية لا يفهم إلا لغة "الحزم والعزم".

خلاصة القول، نتمنى أن المشاركة في احتفال ستحقق مبدأ التعايش والتسامح، لكن التاريخ والتجارب علّمانا أن كل ذلك تم تفسيره ضعفا. ولهذا تم التمادي في الغي حتى وصلنا الأذى في وطننا وعلى حدودنا، وتحول أصدقاؤنا وجيراننا إلى أعداء. ولهذا كان التوكل على الله للبحث عن طريق آخر ندفع به الأذى عنا وعن بلادنا بالحزم والعزم.