برامج "التوك شو" في السعودية، حتى هذه اللحظة أستطيع أن أقول بأن لا أحد يمكنه أن يفهم ما الذي يجب أن يتم تقدمه للمشاهد السعودي؟ حتى لو بدا للجميع بأن صيغ البرامج تعتمد في محاولاتها أن تكون على عكس الإطار الفكري التقليدي، أو ربما عكس الإطار الاجتماعي أيضاً للمشاهد المتحمس بكل ما يتعلق بالتطرق إلى أي شأن من شؤون وطنه، ولكن البرامج كلها تنصب في إطار واحد، كلها تعتمد على شخصية المذيع، وربما تعتمد على حجم ما يريد المذيع أن يظهر به، وما يسهم في دفعه إلى أعلى بعد كل حلقة وأخرى، والأخرى لا تكون صادمة، وربما الضيوف هم الذي يصدموننا، لأننا كمشاهدين لا نعي أهمية الساعة أو الساعتين اللتين عينا أن نستقبل بهما سماجة أو غباء هذا الضيف، أو حتى الخروج بفائدة أو معلومة تتعلق بمجال عمله، ولكن في كل مرة وعلى الأخص في هذه الفترة الحالية، فحضور الضيف في أي برنامج "توك شو" يعني مدى حرص المذيع على أن يكون الضيف هو ما يريد لقاءه، أو يأمل دوماً بلقائه على حساب المشاهدين، الذين لربما لن يجدوا من فكرة البرنامج أية أهداف، والكثيرون منا يخرجون من المشاهدة فقط بأن الضيف بدا سعيداً، لأن صاحب البرنامج كان الأكثر سعادة منا نحن المشاهدين، لكونه حقق حلمه بمشاهدة الضيف وطرح بعض الأسئلة التي كانت تغلب على ذهنه، دون أن يكون هذا هو تصور المشاهد السعودي، الذي يتحلق حول الشاشة في انتظار برنامج حواري جميل يستطيع أن يتمدد من خلالها للساعتين المتبقيتين على السحور، ولكن المشاهد للأسف مظلوم من أكثر من جهة، من السحور الذي انسدت شهيته للأكل بعد مشاهدة لمثل هذه البرامج، والشيء الآخر الوقت الذي ادخره لكي يكون في بيته محاولاً أن يجد من يستولي على عقله وذاكرته كمشاهد!

في كل مرة اكتشف أن الإعلام السعودي، إعلام يمتلك المادة والطاقة البشرية، ولكنه للأسف لا يمتلك الفكر الحقيقي المتأجج الذي يريده المشاهد السعودي، لكونه ضائع في الحقيقة التي يريدها، ويريد من الإعلام أن يستوعب ذلك بدلاً منه، تماماً مثلما تفعل دور الأزياء العالمية، حينما تقوم وهي في باريس أو نيويورك أو حتى إيطاليا، بمحاولة إدراج إنتاجها الضخم مادياً وإعلامياً، لكي يكون مسيطراً على سبيل المثال في دول الخليج. نستوعب ذلك حينما نجد قدرتهم المثالية على تفهم احتياجات المواطن القطري عن المواطن الكويتي مثلاً، حتى في اختيار نوعية العطور الفخمة جداً، التي تقودها إحدى سلسلة كبريات دور الأزياء والعطور، فأذكر قبل أشهر حينما كنت في الدوحة، كانت عدد من أهم وأشهر دور وبوتيكات العطور، تنتج خطا خاصا فقط لدولة قطر، والسبب أن الشعب يميل إلى العطور المخضبة بالمسك والعود، على أن تكون بجودة عالية جداً، فهمت مثل هذه المؤسسات الضخمة احتياجات المواطن الخليجي والعربي أيضاً، ولأجل ذلك يجب أن تقوم بتغيير خطها "الأفرنجي" وتضيف عليه عددا من الإضافات لكي يكون المنتج صالحا للبيع في هذه الدولة تحديدا، والأمر بالتأكيد لا يأتي بين غمضة عين وضحاها، إنما مسؤولو التسويق يلعبون دورا في غاية الأهمية، حتى إن كبريات دور الأزياء باتت تصنع صنادل صيفية للعيد بأفخم الجلود والأقمشة خاصة للشباب الخليجي. إنها القراءة الصحيحة، إذا ما كنت تريد البقاء في السوق العالمي وتتنافس رأساً برأس مع دور الأزياء الأخرى، فكر خارج نطاق الصندوق، وهكذا هم رؤوس إنتاج العالم، أما في المجتمع السعودي تحديدا فإن أكثر ما يلفتني هي التجارب، ولن أتحدث عن البرامج التلفزيونية التي تقدم خصيصا في شهر رمضان المبارك، سأترك الحديث عنها لوقت آخر، وإنما ما يسيطر على رأسي الآن هي برامج "التوك شو"، وتنفرد بها حاليا محطتان إن لزم الأمر أن نشير إليهما، لكونهما الأكثر وجهة وقبلة للمشاهدين.

في شهر رمضان قرر الأستاذ داود الشريان، أن يستولى على مقعد المذيعة المصرية وفاء الكيلاني، ربما بعدما استضافته في برنامجها "المتاهة"، ولمس قدرتها المستفزة في السيطرة على الضيوف، أحب الشريان أن يلعب ذات الشيء في برنامج مع الشريان على قناة mbc1، وكأنه وجد في البرنامج تحقيقا لأحلامه القديمة، وقد كان من الأفضل إعطاء البرنامج لأحد المذيعين الشباب في القناة بدلاً من البطالة، بعد أن توقفت نشرة التاسعة الإخبارية عن الظهور، على الأقل يمكن لهم أن يظهروا بعضا من مواهبهم، وبعيدا عن طبيعة الشريان التي لا أظن بأنها مناسبة للبرنامج. وللأسف الشديد أجد أن برنامج الشريان يحتاج إلى إسعافات أولية كي يصبح برنامجا حواريا من الدرجة الأولى، فاستضافة أسماء قوية وكبيرة ولامعة لأزمنة مضت، لم تجعل البرنامج يتقدم، لأسباب كثيرة أهمها أن معظم الضيوف كان نجما وأفل، فيما البعض الآخر كان بحاجة إلى أعمال قوية وحضور طاغ قبل أن يقدم نفسه إلى الجمهور، والأمر ينطبق على الإعلامي علي العلياني، الذي يدرك تماماً أن ضيوفه سيأتون إلى برنامجه مرتبكين، لذا فهو يستفيد من هذا الارتباك، بمحاولته الدائمة في تمثيل دور فيلم "ليلة القبض على فاطمة"، وترويع الضيوف بنظراته، وطريقة طرحه للأسئلة الخاوية عبر تغيير رتم صوته، مع عدم وجود فريق إعداد جيد يقتنص الضيوف المميزين، فأنت تفاجأ بضيوف لا دور لهم في حياة المشاهد السعودي، ضيوف هشون جدا، ويمكنك أن تلاحظ مدى التفاوت بين حلقة وأخرى، كل ذلك والكينغ العلياني يحاول أن يكون مسيطرا هو الآخر على ضيوفه بطريقة الشريان الشبابية.

هناك مشكلة كبيرة نواجهها وعلينا أن نتحدث بصوت عال عنها: الشريان اترك البرنامج للشباب السعودي وأعطه الفرصة ليكون بديلا عنك، والعلياني حاول أن ترتقي في اختيار ضيوفك، فأنت تحتاج إلى كوكبة من الإعداد التلفزيوني المتميز.