التجارب الشخصية تكسبنا المعرفة بالأشياء التي نجهلها.. دائما ما نسمع عن أشياء في يومياتنا .. نتناقلها هنا أو هناك.. لا ندرك حقيقتها إلا بالمعايشة.. السعادة قد تصيبنا بالأسى.. إذا كان واقعها على النقيض مما كنا نظن. الخدمات الصحية مثال على ذلك، كثيرا ما انتقدناها، وأسهبنا في ذلك، يستاء الكثير منا لكثرة الأخطاء الطبية المتنوعة.. عدد المستشفيات الحكومية لا يتناسب مع الكثافة المتزايدة للسكان، الرقابة الصحية الضعيفة، وقلة الأسرة، وتباعد المواعيد، إضافة إلى استغلال وجشع المستشفيات الأهلية، وكل ما سلف واقع نعيشه بأمل مستقبل أفضل لأبنائنا.

وإذا كان كل ما ورد أعلاه حقيقة لا يمكن إنكارها، إلا أن ذلك لا يلغي وجود نماذج مشرفة، وتجارب صحية مميزة، يجب الوقوف عندها وتقديرها ودعمها لتكون نموذجا يحتذى به.

سأحدثكم عن قصة حدثت معي قبل أيام، وعشت فصولها، وتركت أثرا كبيرا في نفسي بأن الأمل ما زال موجودا، وبأن عتمة السواد يمكن أن تصبح صفحة بيضاء ناصعة، إذا ما وجدت النوايا الحقيقية للعمل.

القصة بدأت حين اتصل بي أحد المقربين يطلب المساعدة في قريبه الذي خرج أخيرا من مستشفى الملك فيصل التخصصي، ويعاني من حالة لا وعي ويهذي كثيرا، ذهبت سريعا لمحاولة نقله إلى الطوارئ، لم نستطع حمله وهو في حالة صحية حرجة، اقترح أحدهم الاتصال بالهلال الأحمر، ابتسمت بحزن، وأنا أسترجع صورة نمطية قديمة متأثرة بالدراما و"طاش ماطاش" عن واقع أليم للخدمات الصحية في بلادنا، لكنه أصر، وقلت لا ضير لأتصل وأبلغ عن حالة طارئة إسقاطا للواجب، ليرد على اتصالي شاب لطيف، يتعامل بهدوء ومسؤولية في سيناريو لم أتوقعه. بعد 10 دقائق تفاجأت بمركبتين للهلال الأحمر الأولى تستدعى في حال التدخل السريع، فيها طبيب وممرض، والثانية تحمل على متنها ممرضين، المشهد الجميل الأول أن جميعهم كانوا شبابا سعوديين على قدر عال من المهنية، والخلق الرفيع، عقب معاينتهم وكشفهم على الحالة، واطمئنانهم على استقرارها، تحولنا سريعا إلى مستشفى الملك فيصل التخصصي، ورغم الازدحام الشديد الذي تعانيه المستشفيات بشكل عام، والتخصصي بشكل خاص، إلا أنه تم التعامل وتقدير الحالة بشكل إيجابي وعاجل. وعلى مدار 4 أيام كنت دائم التواجد والتواصل مع الأطباء والإداريين، وصلت إلى قناعة جديدة أن هذا المستشفى وما يملكه من أنظمة إدارية وأجهزة وكوادر طبية عالمية، يعد مفخرة وصرحا طبيا عالميا يجب أن نفاخر به، ويقدم خدمات جليلة للمواطنين بتعامله مع الحالات الصعبة بثقة ومسؤولية.

الحقيقة أن هذا الصرح الطبي الوطني يجب أن يأخذ حقه في الإشادة بما حققه في العديد من المجالات.

التخصصي حصل على شهادة اعتماد في التمريض ضمن أفضل سبعة مستشفيات خارج الولايات المتحدة الأميركية من قبل المركز الأميركي للتمريض المعروف ANCC-Magnet، وإذا ما علمنا القيمة المهنية الكبيرة لهذا المركز فإن السعادة تصبح مضاعفة "نسبة المراكز التي منحت الاعتماد من قبل المركز داخل أميركا لم تتجاوز الـ7%، وهذا الرقم يعطينا مصداقية القائمين عليه".

في فترات ماضية دشن المستشفى أيضا المركز الجديد للطب الاتصالي بتقنيات متطورة تسمح بالاتصال بـ32 مستشفى في وقت واحد لمتابعة المرضى والحالات الحرجة في مختلف الأقسام، بما يغني المرضى ومرافقيهم عن معاناة السفر والانتقال إلى الرياض واختزال المسافات البعيدة التي قد تضر بصحة المريض، إلى جانب تقليل النفقات المادية التي تصحب هذا التنقل مع الحفاظ على جودة الخدمة الطبية المقدمة.

إن انتشار العيادات الافتراضية التابعة لمراكز طبية عملاقة تعتبر نقلة نوعية في مجال الخدمات الصحية مع انتشار تلك العيادات في أرجاء المملكة، ومواكبة حقيقية لتكنولوجيا المعلومات إذا ما علمنا أيضا أن المستشفى حقق المستوى السابع في تطبيق السجل الطبي الإلكتروني وفقاً لمقياس جمعية نظم إدارة المعلومات الصحية المعروفة عالمياً (HIMSS)، حيث يعد المستوى السابع الأعلى في مقاييس تطبيق الحلول الإلكترونية الصحية، كأول مؤسسة طبية تحصل على هذا التصنيف خارج قارة أميركا الشمالية.

وطبقا للمعلومات التي نشرها المستشفى عام 2015 فقد تم إجراء (1158) عملية زراعة أعضاء عبر مركز الأبحاث، وهو رقم كبير يعكس نجاح الكادر الطبي هناك في معدلات الزراعة بمختلف التخصصات التي شملت زراعات القلب، والرئة، والكبد، والعظام، والكلى والبنكرياس، ونخاع العظم والخلايا الجذعية.

أرقام كبيرة لا يتسع المجال لحصرها هنا بيد أن تقديم الشكر لكل القائمين على هذا الصرح الطبي الوطني العملاق أقل واجب يمكن أن نقدمه، والشكر موصول للأمير فيصل بن عبدالله، الذي استطاع عمل نقلة نوعية كبيرة في أحد أهم الأجهزة التي تمس حاجات المواطنين، ولكل من لمست عملهم وغيروا نظرتي للهلال الأحمر الدكتور عبدالعزيز الهداب وسعيد الأسمري وعبدالعزيز الشهراني وأنور العنزي وسلمان العتيبي وكافة العاملين في القطاع، فبمثلكم يفاخر الوطن، والشكر موصول للدكتور قاسم القصبي وكافة العاملين في مستشفى الملك فيصل التخصصي لما يقدمه هذا الصرح لأبناء الوطن من خدمات طبية جليلة، ولما وصل إليه من مكانة طبية كبيرة جدا.