اليوم يتجهز حجاج بيت الله الحرام، لاستقبال أيامهم المبرورة بإذنه تعالى؛ يوم التروية، فيوم عرفة ـ يوم الحج الأكبر ـ، ثم يوم النحر، فيوم القر، ثم يوم النفر الأول، فيوم النفر الآخر، تقبلها الله جميعا.

غدا يوم التروية؛ وهو اليوم الذي يخرج فيه ضيوف الرحمن من مكة المكرمة إلى (مشعر مِنى) وسمي بهذا الاسم لأن السابقين كانوا يرتوون فيه من ماء مكة، ويحملون منه ما يكفيهم حتى يعودوا من رحلتهم. وقيل إن التسمية عائدة إلى سبب آخر هو أن الله تعالى أرى خليله سيدنا إبراهيم ـ عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام ـ المناسك فيه.

قبل أكثر من نصف قرن، وتحديدا في عام 1378هـ، نوقش موضوع (البناء في مِنى) وخلص العلماء آنذاك إلى ما يلي: "اجتمع الرأي واتفقت الكلمة من الجميع على أن إحداث شيء من البناء في منى أمر لا يصح شرعا، لأن ذلك يفضي قطعا إلى تفويت اشتراك الحجاج من المسلمين فيه.. نحن المشايخ المذكورون متفقون على وجوب هدم ما كان بمنى من الأبنية القديمة والحادثة وعدم جواز بقائها، وإن كان عند أحد مستند في بقاء شيء منها فليحضره". دليلهم حديث أم المؤمنين السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ، قلنا: يا رسول الله ألا نبني لك بيتا بمنى يظلك؟. قال: لا، منى مُناخ من سبق"، حديث حسن، أخرجه جمع من المحدثين. ومعناه ـ عندهم ـ أن مشعر منى ليس مختصا بأحد، إنما هو موضع العبادة من الرمي والنحر والحلق ونحوه، وأنه لو أجيز البناء فيه لَكثرت الأبنية، وتَضيق المكان.. و(المناخ) يعني موضع إناخة الإبل، و(من سبق) يعني أن الاختصاص بالسبق لا بالبناء.

بعد هذا النقاش، وبالتحديد في عام 1394هـ، صدر عن هيئة كبار العلماء تأكيد آخر ـ بالأغلبية ـ، ولكنه فتح بابا إضافيا جميلا نصه: "بالنسبة إلى البناء في منى فلا يخفى أن منى مشعر من المشاعر المقدسة، وأنها مناخ من سبق، وأن أهل العلم رحمهم الله قد منعوا البناء فيها؛ لكون ذلك يفضي إلى التضييق على عباد الله حجاج بيته الشريف. ونظراً إلى أن سفوح جبالها غير صالحة في الغالب لسكنى الحجاج فيها أيام منى، وأنه يمكن أن تستغل هذه السفوح بطريقة تحقق المصلحة العامة، ولا تتعارض مع العلة في منع البناء في منى، فإن المجلس يقرر بالأكثرية: جواز البناء على أعمدة في سفوح الجبال المطلة على منى على وجه يضمن المصلحة للحجاج، ولا يعود عليهم بالضرر، ويكون هذا البناء مرفقاً عاماً، وما تحته لمن سبق إليه من الحجاج كبقية أراضي منى، على أن يكون الإشراف على هذا البناء للدولة". الجميل في آخر ذلك القرار ذكر أن (أي مقترحات تحقق النفع والمصالح، وتدفع المضار تحال إلى المختصين للدراسة، وتقرير ما يحقق المصلحة). هذه الإحالة، وهذا الأمل، وهذه الأعداد المتزايدة من الحجاج تدعوني إلى طلب إعادة النظر فيما صدر، فكما جاز البناء على (سفوح جبال منى) أعتقد أن التفكير في جواز البناء الأفقي المؤقت في (وسط منى)، بشرط اختيار نوعية البناء، مع عدم السماح بالملكية، أمر في غاية الأهمية.

وقفة:

يتزامن نشر (عمود الرأي) هذا مع إتمامي عاما في (الوطن) الغراء. فخور بلَياقة ولباقة وأناقة ودماثة قرائها، وتعليقاتهم وتواصلهم، وأتطلع منهم إلى إمدادي بمرئيات أساهم بها في تنمية إيجابيات الواقع المعاش، وإصلاح ومعالجة سلبياته.