الذي يحدث أمر مقلوب. حكاية عسيرة الفهم، وأقرب ما تكون إلى القصص والروايات الركيكة!
عائلة ميسورة الحال. الأب موظف والأم موظفة. ويمتلكان منزلا في حيٍ راق، وليس لديهما أي مشاكل اقتصادية تذكر. ومع ذلك تجدهما حريصين على تنظيم النسل. بين كل "طفل وطفل" مدة زمنية، كافية بأن يحصل كل منهما على حقه وحاجته من الرعاية والتربية والاهتمام!
بينما -تأمل معي الحال- تجد شخصا آخر عاطلا، أو متقاعدا متقدما في العمر، يعيش أوضاعا اقتصادية سيئة، لا يجد ما يكفي حاجته الشخصية اليومية، و"في ذمته" ثلاث أو أربع نساء، ولديه ما لا يقل عن ثلاثين أو أربعين ولدا وبنتا "ثلاث فرق كرة قدم مع الاحتياط"!
أنا هنا لا أركز على الوضع الاقتصادي. جاء في القرآن الكريم في موضعين مختلفين "نحن نرزقهم وإياكم"، و"نحن نرزقكم وإياهم". لكن لا ينبغي الأخذ بظاهر الآية، دون العمل والجد في كسب الرزق، فالسماء "لا تمطر ذهبا ولا فضة".
ورد في الأثر الكريم "إنك إن تترك ذريتك أغنياء، خير من أن تتركهم عالة يتكففون الناس"!
أتحدث عن طبيعة الحياة التي نعيشها اليوم. لم يعد المال وحده هو "الدافع الرئيس" لتنظيم النسل -وإن كان عاملا مهما كما قلت- بل عوامل عدة. خذ منها صحة الأم ولياقتها وحيويتها. ناهيك عن الانفجار السكاني، وهناك مشاكل الإسكان المتصاعدة التي لا يلوح أي بارقة أمل في احتوائها. أضف إلى ما سبق المعضلة الأهم وهي "التربية". كيف لي أن أفهم استطاعة شخص في الخمسين من العمر على تربية، ومجالسة، ومراقبة، ومصاحبة أكثر من ثلاثين ولدا وبنتا في الوقت نفسه.
أن تكون فقيرا وتحظى بتربية جيدة خير لك من أن تكون غنيا ولا تجد التربية والاهتمام!
والأمر جائز شرعا "كنا نعزل والقرآن ينزل". من هنا، نحن في حاجة إلى فك الالتباس بين التحديد والتنظيم، إذ ليس من المعقول ولا المقبول أن يدفع آلاف الأطفال في بلادنا، غلطات آباء يبحثون عن ملذاتهم وشهواتهم فقط، وحينما يزداد الحمل على أكتافهم، يرمونهم إلى الشارع، ويبدؤون استعطاف المجتمع!.