الشيء الوحيد الذي خرجت به من علاقتي مع مصرف الراجحي، هو أنني تعرفت على الكم الهائل من الطرق المضمونة لمساعدة الآخرين، وذلك عبر التحويل إلى الجمعيات الخيرية، إذ لا شيء يمكن أن يكون جديرا بالمباهاة عبر هذا المصرف الذي عجزت عن أن أفهم إستراتيجياته، على الأخص من عدم وجود وعي لدى العديد من موظفيه في كيفية احترامه عملاءه، وقد لمست عدم قدرة المرأة في البنوك على أن تكون موظفة، فهي تنظر إلى العميلات وكأنهن مجرد شحاذات، على الأخص حينما تصرخ إحدى الموظفات قائلة لامرأة تكبر جدتها بسنوات "هيّ أنت يا حرمة، كم رقم دورك"، لذا، كان التعاون عبر شاشة الكمبيوتر أكثر جاذبية وأكثر رقيا، فأنت تشعر بأن كرامتك محفوظة من دون تلك النظرات الجوفاء التي تقتلك، وكأن الموظفة تخمن كم المبلغ الموجود في رصيدك من خلال العباءة التي ترتديها.

كانت شاشة الكمبيوتر هي المدخل إلى عالم العطاء، كانت تجربة أولى بتحويل مبلغ صغير لإحدى الجمعيات الخيرية، وتحول هذا الأمر إلى عادة، لا أحد يراك وأنت تتبرع بـ10 ريالات وأحيانا بـ100 ريال أو أكثر، ما يهمك في هذه اللحظة أنك أمام مصدر موثوق به، وأنت تقدم شيئا ولو بسيطا إلى المجتمع الذي يتوجب عليك أن تكون فاعلا فيه، عبر مساهمتك في دعم الجمعيات الخيرية المتعددة في مناطق المملكة، لقد تعرفت على قرى ومدن من خلال أيقونة التحويل إلى الجمعيات الخيرية عبر مصرف الراجحي، وكان الأمر بالنسبة لي علاقة مترفة بالود الكبير، فكلما شعرت بألم في قلبي، أو سمعت بمكروه حدث لقريب لي، أسرعت إلى شاشة الكمبيوتر، وبدأت أبحث عن جمعية خيرية في عفيف أو عرعر أو جازان، العالم كله ينتظر منا العطاء، ووطنا يستحق منا المشاركة ودعمه والوقوف معه، وأنت لن تفعل ذلك من أجل أن يمتدحك أحدهم، ولكنك ستفعل ذلك لأنك من الداخل ستدرك أهمية أن يكون لك دور يعيدك إلى الحياة ويدعم ارتباطك بالمجتمع الذي تعيش فيه.

الشعور بالرضا قلما يصل إليه الكثيرون منا، ولكن من خلال تجربتي عبر دعم العديد من الجمعيات الخيرية، بدأت أدرك أن ريالا واحدا ولو كان ذلك يوميا، إلى مثل هذه الجمعيات التي لا حد لها، ومتنوعة بأهدافها وقيمها، ستطبب قلبك من دون أن تدرك أنك شيئا فشيئا تتحول إلى إنسان فريد من نوعه، في الحقيقة ستكتشف نفسك أكثر وستدرك كم أن هناك ألف طريقة للعطاء والتراحم مع الآخرين، الجمعيات الخيرية لا تعتمد فقط على جمعيات البر والإحسان، ولكنها تصل حتى إلى دعم المستشفيات المتخصصة لعلاج السرطان والدم والقلب، كما أن هناك أيضا أبوابا تصل بك إلى مساعدة أسر السجناء أو المفرج عنهم، عالم الإحسان إن دخلته مرة فلن تخرج منه، ستعتاد في كل مرة أن تتقاسم أموالك وإن كانت بسيطة مع آخرين هم بأمس الحاجة إلى مشاركتك.

تذكرت وأنا صغيرة كانت القرية التي خرجت منها وأصبحت الآن مدينة، لديها جمعية خيرية، وكانت تطبع في كل عام أسماء المتبرعين وأبنائهم، وكنا نسعد ونحن نقرأ أسماءنا المدونة في كتيب الجمعية الخيرية التي كانت تقوم على طباعته الجمعية حتى تحفز الآخرين على التبرع، وكان دور الجمعية مهم جدا، حيث إن دورها لم يكن محدودا، بل كان في غاية الأهمية، وكنت على الدوام أتنبه إلى فاعل الخير الذي لا يريد لاسمه أن يظهر، ويقدم تبرعات كبيرة جدا، عدد كبير من الأثرياء الذين يقدمون تبرعات إلى الجمعيات الخيرية في المملكة، لكنهم لا يرغبون في ذكر أسمائهم ويفضلون التوقيع بدلا عنها باسم "فاعل خير"، اشتقت اليوم وأنا أدون مقالي أن يعود هذه الاسم إلى الظهور في كل مكان، اشتقت إلى معرفة أنه لا يزال منا من يستطيع أن يقدم أنواعا من البر والإحسان من دون أن يذكر اسمه، لقد كنت صغيرة وعيناي تتابعان فاعلي الخير الذين يقدمون أموالا طائلة، ويحجبون أسماءهم رغبة منهم في ذلك.

كثير من الذين أجلس معهم كانوا دائما يخبرونني برغبتهم في التبرع، لكنهم لا يدلون الطرق الآمنة للتبرع المثالي، الكثيرون يريدون أن يقدموا الخير والمعروف إلى الأيتام والأرامل ومرضى السرطان والأسر المحتاجة، ولكن الأمر الآن بات أكثر سهولة وأكثر ثقة، بعض المصارف تقدم لك ذلك، فأرجوك أن تفعل، أن تهب ولو ريالا واحدا لتكون من فاعلي الخير هؤلاء الذين كانوا يأتون في ذاكرتي منذ طفولتي حتى هذه اللحظة، أتذكرهم جيدا أعني ما زلت أتذكر المبالغ الكبيرة التي كانوا يدفعونها للجمعية الخيرية في تلك القرية البعيدة، والآن الأمر بات أكثر سهولة من ذي قبل.

لقد عرفت الطريق للتخلص من الألم، من الوجع الذي يجعلني أحيانا غير قادرة على أن أكون مؤثرة بطريقة أو بأخرى، من الجميل أنني الآن أتشارك معكم تجربة باتت جزءا من حياتي، وأود أن آخذك معي إلى رحلة البر وكلها عبر ضغطة زر من خلال شاشة كمبيوتر، ابحث في المصرف الذي تدخر فيه أموالك عن خدمة التحويل للجمعيات الخيرية، وأسهم في بناء الرضا بداخلك وأنت تشارك مجتمعك بفعل الخير.