لو نتمعن جيدا في أنفسنا وفيمن حولنا، لعرفنا أن الإنسان متغير بطبعه. هذا التغير لا يقتصر على أفكارنا فقط، وإنما يطال حتى ذوقنا وتصرفاتنا، بل حتى لهجتنا وطريقة حديثنا.

كلما تقدم الإنسان في العمر، تزداد خبرته ويكتسب صفات جديدة، أو يتخلى عن صفات قديمة، حتى ما كنا نعتقد أنها مبادئ ثابتة لا يمكن أن نغيرها ربما يأتي يوم ونعيد فيها النظر، وربم نتحول للضد تماما! كل هذه التغييرات مرتبطة بعوامل كثيرة، وهنا تكمن المشكلة.

نحن مرتبطون بمَن حولنا، سواء في العالم الحقيقي أم العالم الافتراضي، وكثير من الناس بدؤوا بمراجعة أفكارهم، وبمجرد أن يعلنوا بعض التغيير يتعرضون لهجوم حاد من محيطهم، وعلى إثر هذا الهجوم تكون ردة الفعل قاسية ويذهبون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار أو العكس. رغم أن بداية التغيير كانت هادئة وغير متطرفة، ولكن لأن ردة الفعل القوية على هذا التغيير -الذي كان منطقيا وعن قناعة تامة- جعلت صاحبه يغيّب المنطق ويذهب لما هو أبعد من ذلك، نكاية في ردة فعل الناس على موقفه الجديد، فتحول من الضد إلى الضد خلال فترة زمنية قصيرة جدا.

ولذلك، دائما نتساءل عن شخصيات كثيرة ومعروفة تحولت فجأة من فكر معين إلى نقيضه، أو من الدفاع عن فكرة معينة إلى محاربتها. والأمثلة كثيرة إذا أخذت مواضيع مهمة مثل الطائفية، الحقوق، الحريات، قيادة المرأة، انتقاد الأداء الحكومي وغيرها.

ولذلك، من المهم أن يتوقف كل شخص منا قليلا ويسأل نفسه: هل هذه الفكرة التي أدافع عنها ببسالة هي ناتجة عن قناعة تامة، أم إنها مجرد ردة فعل عكسية؟.