قبل الشروع في الحديث عن تجربة وطنية رائدة وأهدافها وإنجازاتها، أود هنا أن أطرح سؤالا كبيرا ومهما: لماذا لا نشيد بتجاربنا المحلية الرائدة، ونرسل لها المتدربين من ذوي العلاقة للتعرف عليها واستنساخها، تماما كما نعمل منذ زمن طويل على التجارب الأجنبية، عندما نرسل لها الوفود تلو الوفود من المتدربين وذوي العلاقة؟ أم إننا ما نزال نؤمن بمقولة إن "مزمار الحي لا يطرب"، ومقولة "عقدة الخواجة". أم إننا شغوفون بالانتدابات الخارجية والسفر إلى الخارج؟

في كل الأحوال، نحن نظلم الوطن وتجاربه، ونهدر الجهود الرائعة المتألقة، ونخسر بشكل كبير الاستفادة منها باستنساخها والعمل بها، للوصول إلى التطوير الذي ننشده، ومن هذه المنطلقات الوجيهة أتحدث هنا عن تجربة فريدة وقفت عليها شخصيا بكل تفاصيلها وعمقها وثبوت جدواها، بشواهد وأدلة وأمثلة، وأدعو بكل أمانة إلى التعرف عليها واستنساخها على مستوى الوطن، لما تحققه من تطوير لمختلف القطاعات التنموية في بلادنا.

هذه التجربة هي "مركز التكامل التنموي"، في إمارة منطقة مكة المكرمة. هذا المركز الذي أولا يتوافق مع رؤية المملكة، ويعمل بمشاركة القطاعين الخاص والعام، على محاور إستراتيجية مهمة هي: مواجهة الاحتياجات التنموية لمنطقة مكة المكرمة، عن طريق تفعيل تنفيذ المشاريع التنموية بمشاركة القطاع الخاص، والحاجة إلى تطوير المرافق العامة للمنطقة عن طريق تنفيذ مشروعات بنية تحتية، ومشاركة القطاع الخاص مع القطاع الحكومي في تمويل المشروعات التنموية، وجذب استثمارات القطاع الخاص للإسهام في سد فجوة التمويل عن طريق مشروعات الشراكة، وتهيئة الفرص الاستثمارية الملائمة لاستقطاب القطاع الخاص لتفعيل الشراكة الحقيقية، ووضع خطط تنفيذية وبرامج زمنية لإعادة تفعيل المشروعات المتعثرة، واستدامة عملية تنفيذ المشاريع، وتذليل العقبات، ثم ضمان تنفيذ المشروعات ضمن الخطط الزمنية الموضوعة.

هذه الإستراتيجيات التي وضعها المركز ليست قصة جميلة تُروى، أو حديثا بليغا للإقناع، وإنما واقع ملموس بالشواهد والأدلة، يقوم عليه شباب تم اصطفاؤهم بعناية فائقة، أدركوا وفهموا العمل، وتحملوا المهام، وأنجزوا بشكل يدعو إلى الإشادة والإعجاب.

كما وضع "مركز التكامل التنموي" في إمارة منطقة مكة المكرمة أهدافا كبيرة لكنها واقعية تمثلت في: تحديد المشاريع التنموية القابلة للتطوير بمشاركة القطاع الخاص في منطقة مكة المكرمة، والتواصل مع المستثمرين وعرض الفرص الاستثمارية المتاحة، وتحديد مفاهيم مشروعات الشراكة، وأسس الشراكة مع القطاع الخاص والتأكد من تطابقها مع الأنظمة واللوائح المعمول بها في المملكة العربية السعودية، وإصدار التوصيات لاختيار المشروعات التي ستنفذ بنظام الشراكة، بناء على معايير يتم وضعها، والمساعدة في تحويل المبادرات إلى مشروعات قابلة للتنفيذ، ومتابعة تنفيذ المشروعات، وتقديم المساعدة الفنية الواجبة إلى الجهات العاملة فيها طوال مدة تنفيذ المشروع، وتذليل العقبات لها، ووضع برنامج زمني تفصيلي لتنفيذ مشروعات الشراكة التي يتم اختيارها. وتحديد مؤشرات لقياس مدى نجاح خطة عمل مشروعات الشراكة، عن طريق استخدام مؤشرات الأداء الرئيسية الاقتصادية لقياس مدى التأثير الاجتماعي والاقتصادي بشكل عام، ثم إعداد التقارير الدورية بشأن المشروعات التنموية وتقديمها إلى الهيئة الاستشارية.

والزائر للمركز الذي يشغل حيزا كبيرا في مبنى إمارة منطقة مكة المكرمة وبإشراف عالي المستوى مرجعه مباشرة أمير المنطقة، الذي يلم بكل تفاصيله ويدخل في كل جزئياته، ويحضر توقيع اتفاقياته، حتى غدا المركز هو الملاذ الذي يعوَّل عليه، بعد الله، في تحقيق الأهداف التي تبناها المركز بكل فاعلية واقتدار.

ولأنه ليس هناك حديث أصدق من الواقع، دعوني أضرب لكم مثالا واحدا من إنجازات هذا المركز، وهو مثال يشهد به الواقع حتى لا يقال إنني أبالغ.

تعثر مشروع تنفيذ مطار الطائف لأسباب جوهرية، هي عدم وجود بنية تحتية في الموقع الذي سينفذ فيه المطار الجديد، ونعرف جميعا أنه عندما يتعطل طرح أي مشروع فإن ميزانية ذلك المشروع إما أن تنقل إلى مشروع آخر، أو يلغى المشروع ويطرح مرة أخرى، في كل الأحوال تخسر المنطقة بهذا الشكل.

وفي حالة مطار الطائف، الأسباب التي تأخر من أجلها المشروع تحتاج إلى ميزانيات باهظة، ووقتٍ طويل، وجهود لتأمين الاعتمادات،  لكن "مركز التكامل التنموي" تدخل برؤيته وإستراتيجياته وأهدافه، واستطاع أن يجذب رجال الأعمال للمشاركة مع الدولة في إنقاذ المشروع، بتنفيذ البنية التحتية المتمثلة في الكهرباء والماء والطرق.

نعم، بمشاركة القطاع الخاص ورجال الأعمال، ونجح "مركز التكامل التنموي" نجاحا باهرا يستحق الإشادة والتقدير، في تذليل كل العقبات الكبيرة الكأداء التي كادت أن تحول دون تنفيذ هذا المشروع الكبير، والنتيجة تذليل كل عقبات المشروع واستمراره.

خلاصة القول، أؤكد هنا أن لدينا في بلادنا تجارب تستحق الإشادة وتستحق الوقوف عليها، وتستحق إرسال الوفود لها للاطلاع والاستفادة والاستنساخ، ومركز التكامل في إمارة منطقة مكة المكرمة، واحدٌ من هذه التجارب الرائعة الفاعلة والمهمة، التي تتوافق مع رؤية المملكة، وتسهم -بعد توفيق الله- في دفع عجلة التقدم والتطوير في بلادنا.

أسأل الله العظيم، أن يوفق كل جهد مخلص لخدمة ديننا ووطنا، ويديم علينا أمننا واستقرارنا ورغد عيشنا، إنه سميع مجيب.