من تركيا، على ضفاف مرمرة والبسفور، وفوق بساط طربزون الأخضر، وبين أشجار غابات شيلا وبلغراد، تذكرت والذكرى مؤرقة، شواطئ البحر الأحمر والخليج العربي، وخضرة أبها والباحة، ومرتفعات الهدا والسودة، وغابات النماص ورغدان.
كم هي جميلة بلادنا، وكم نحن بحاجة إلى الاستمتاع بهذا الجمال الذي يكلله تاج الأمن والأمان.
بلادنا التي تمتد لتشغل مساحة شاسعة من الجزيرة العربية، تتميز بتنوع مناخي وثراء بيئي يستحق أن تشد إليه الرحال لا عنه، ومع ذلك تتزايد أعداد السعوديين الذي يغادرون كل عام إلى الخارج من أجل السياحة، فأين تكمن المشكلة وما الحلول الممكنة؟!
حين نعود لنتأمل حال بلادنا مع السياحة، نصاب بخيبة أمل كبيرة، فبلادنا غير مُعدّة للسياحة رغم الفرص الكبيرة المتاحة للاستثمار السياحي، بل إن المتاح منها يمثل بيئة منفرة بكل صدق، فأسعار الوحدات السكنية والفنادق باهظة، والخدمات الترفيهية محدودة، والمسطحات الخضراء والشواطئ تخلو من المرافق الخدمية، والبلد بالمجمل بعيدة عن أعين وخطط المستثمرين السعوديين من رجال الأعمال الذين انصرفوا باهتمامهم إلى خارج البلاد؛ فراحوا يستثمرون في تركيا ودبي وبلاد أوروبية كثيرة.
وحين ننظر فيما يطرح فعليا من الخدمات ونوازنه مع خطط السائح السعودي، بدءا سنشعر بكثير من الخيبة والخذلان؛ فالشقق المفروشة التي يستهلك إيجارها ثلثي ميزانية الرحلة، في أدنى مستويات الجودة مقارنة بما نجده في الخارج. الشقق والوحدات السكنية في مصائفنا ومدننا غير معدة لاستقبال السياح، ولعلي لا أبالغ إن قلت إن منها ما لا يصلح للسكن، فالأثاث في غاية الرداءة، والأدوات التي تتطلبها إقامة العائلة غير متوافرة، واشتراطات السلامة إما غائبة أو مهملة.
وحين ننتقل إلى المتنزهات والحدائق نجد الوضع محزنا للغاية، مع ما تتمتع به بلادنا من إمكانات طبيعية ومالية. فحدائق كبيرة تحمل أسماء الكبار أمثال الملك عبدالله والملك فهد "رحمهما الله رحمة واسعة" لا تجد من العناية بالنظافة والتشجير ما يرقى لحمل شرف هذين الاسمين، فكيف تكون حال الحدائق والمتنزهات الأخرى؟!
وحين نترك المدن السياحية إلى الطرق البرية التي يسلكها المسافرون في أرجاء البلاد، والتي يتزايد عدد المستخدمين لها في موسم الصيف، نجد ما هو أسوأ مما سبق. استراحات سيئة الفرش والطعام، ودورات مياه ملوثة، ومساجد لم تقدر حق قدرها.
كل ذلك يجعل من السفر الداخلي والسياحة الداخلية معاناة حقيقية، لا يجد المواطن حيالها خيارا إلا السفر للخارج، مع ما يترتب عليه من ضغط كبير على ميزانية الأسرة سنويا، لأن وضع السياحة الخارجية ضمن خططها يأتي أحيانا على حساب احتياجات أخرى ضرورية. والمواطن غير ملوم في ذلك، فالمبلغ الذي ينفقه على سياحة داخلية مكلفة وغير متكاملة، لا يختلف عن ذاك الذي يمكن أن يدفعه في الخارج، في أجواء سياحية حقيقية.
والحق أن المسؤولية هنا ليست فقط على الدولة التي تبذل قصارى الجهد لتجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، إنما أيضا تشمل رجال الأعمال الذين يملكون حسا وطنيا. فهؤلاء، إذا كانوا يبحثون عن فرص حقيقية للاستثمار، فالسياحة المحلية ما زالت أرضا خصبة لذلك؛ فالمصايف هنا تستقطب سكان الخليج سنويا، ومكة والمدينة تستقطبان المسلمين من كافة أنحاء العالم طوال العام، وحين يجد هؤلاء بيئة جاذبة سيعلنون عنها ويسوّقون لها في بلادهم، وهذا ما يجب أن يحرص عليه الجميع.
ولعل من المناسب في هذا المجال، استحداث صندوق للاستثمار الوطني في السياحة، يدعمه رجال الأعمال لخدمة قطاع السياحة في المملكة. هذا الصندوق، في حال وجوده، سيسهم في ازدهار السياحة ويوفر بيئة سياحية جاذبة، ما تزال الفرص البكر متاحة لاستثمارها والنهوض بها، وهذا واجب وطني ينبغي أن يتنافس عليه رجال الأعمال، وهو المتوقع والمأمول منهم جميعا.