تشعبت أحاديث مجالس العيد، بين المهم والأهم، ولفت نظري في غالبها أو كلها الانتقادات التي سُلطت على بعض العلماء الشرعيين، بسبب مواقفهم من المحاولات البائسة لزعزعة الأمن في نهاية رمضان الماضي. البعض أرجع كل المحاولات إلى فئات معينة من العلماء، وبعضهم برّأ مجموعات من العلماء. وحاولتُ كثيرا أن أثني الجميع عن أفكارهم، ولم أنجح؛ فقد اتسع الخَرقُ على الرَّاقعِ، والفَتقُ على الرَّاتقِ، والبعض تجاوز، ورمى بكل شيء على العلماء؛ وتجاوزهم عندي بسبب أن الميدان بكل اتساعه ليس مفتوحا لكل العلماء، أو لمن فتح الله عليهم منهم؛ فهناك عدم التفات لمن يمكن الاعتماد عليهم في المعضلات.

تعمقت كثيرا فيما دار، وتيقنت أن هناك حاجة لتوسيع دائرة مشاركة العلماء، وأن يطلب منهم الفصل في حكم من يسفك الدماء ويقتل الأبرياء، وهل هذه من المكفرات بذاتها، أم أن مقولة "نكفر الفعل لا الفاعل"، تمنعنا عن التصريح بما تكنه الضمائر، وهي ترى الذين لم يراعوا حرمات الزمان والمكان، من حدثاء الأسنان، وسفهاء الأحلام، استحلوا دماء الأبرياء، وانتهكوا الحرمات، بلا أخلاق، أو ضمير، أو وازع، أو عقل.

مع ما ذكرته سابقا من أن "الميدان" ليس إلا "لحميدان"، هناك تهاون، وسكوت من بعض العلماء في تقرير ما يجب تقريره، وهذا حتما لن يفيد الناس، أو يحفظ عليهم أمنهم، وقيادة البلاد تريحها كلمةُ حق، واضحة المعاني، صريحة المباني عن الأدبيات والموروثات التي يتحجج بها المفسدون في الأرض، وما حكم الله فيها وفيهم، ومن هذا المطلوب تصريح فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف، القاضي بمحكمة الاستئناف، الشيخ صلاح بن محمد البدير، عن حادثة المدينة المنورة، ونصه: "من قصد مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شاهرا سيفه، وحاملا سلاحه، وواضعا بين جنبيه حزاما ناسفا، عامدا إلى قتل المصلين، في المسجد النبوي، وقتل حراسه، وترويع المصلين، والصائمين؛ مستبيحا للحرمات في شهر رمضان؛ فهو كافر خارج من الملة، ولا يفعل ذلك إلا من باع نفسه لأعداء المسلمين، وخان دينه، وأهله، ووطنه؛ تحوطه اللعنة، والمقت، والغضب من الله تعالى".

قالوا: "يا معشر العلماء يا ملح البلد.. ما يُصلح الملحَ إذا الملحُ فسد؟"، آمل ممن يقرأ المقال أن يعرف أنه مكتوب عن البعض، وهذا يعني أن الأعم الأغلب ما زال بخير، وبعضا من هذا البعض ينتظر دوره في المساهمة الوطنية في الخير. حفظ الله خادم الحرمين الشريفين، وسدده من عنده، وأمَّن بحزمه البلاد من الشر والأشرار.