لعل معظمنا استمع وتابع مؤتمر معارضة النظام الإيراني السنوي في باريس بعد أن تم نقلة وللمرة الأولى تلفزيونياً، حيث قامت قناة العربية بنقل أحداثه يوم السبت الموافق 9 يوليو 2016.. وقد تحدثت في هذا المؤتمر شخصيات معتبرة لها حضور دولي لافت، ومشهود لها بسعة الإطلاع والعمق السياسي، ومن تلك الشخصيات الأمير تركي الفيصل الذي كان له دور كبير وفاعل أثناء أزمة 11 سبتمبر، وما تبعها من مشكلات كادت تعصف بالعلاقات بين المملكة وأميركا، حيث استطاع الأمير تركي الفيصل خلال عام ونصف فقط أن يجوب 25 ولاية ويتحدث في جامعاتها لأساتذتها وشبابها من الطلاب وكذلك مراكز البحث فيها، وتمكن عبر هذا الجهد المضني الفاعل الواعي أن يقنع الرأي العام الأميركي الذي يبحث عن الحقيقة ويريدها أن الإرهاب مشكلة عالمية، المملكة ليست مصدرة بل هي من أول الدول التي تعاني منه، وأن المملكة تشارك العالم في القضاء عليه ومحاربته.

 وأذكر زيارته لمركز Freedom House  الذي قام بالتعاون مع مركز الخليج المعارض بتحليل مناهج تعليمنا وأخرج بعض العبارات من سياقها واتهم المناهج الدراسية في المملكة بتغذية الإرهاب في العالم، حيث قامت رئيسة المركز نينا شي بنشر الدراسة في صحيفة واشنطن بوست الشهيرة، ولم تكتف بذلك بل اجتمعت مع الرئيس بوش الابن ومستشاريه، وكذلك تم عرض الدراسة في الكونجرس وقراءة بعض العبارات الصارخة فيها، في محاولات لتحريض السلطات كلها والرأي العام وتجييشها ضد المملكة العربية السعودية.

 واستطاع الأمير تركي الفيصل أن يسحب كل تلك الأسلحة المغرضة لهذا المركز وغيره، وأذكر أنه استجاب لطلبهم بتزويدهم بجميع المناهج، ولم يكتف بتزويدهم بالمناهج، بل قال إنها ستوضع على موقع الوزارة لكل من يريدها، وبالفعل ومنذ ذلك التاريخ والمناهج موضوعة على موقع وزارة التعليم.

 هذا غيض من فيض لجهود الأمير تركي الفيصل التي كنت شاهداً عليها وهي تحتاج إلى مساحات أوسع ووقت أطول للحديث عنها.. ليس دفاعاً عن الأمير تركي فهو لا يحتاج إلى دفاعي وإنما لعرض حقائق أعرفها تماماً، ومناسبة هذا الحديث ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً بعد مؤتمر المعارضة الإيراني الذي تحدث فيه الأمير تركي الفيصل، بأنه لم يكن دقيقاً في حديثه في المؤتمر الذي حضره ما يقارب مئة ألف معارض يشكلون الأطياف المتعددة في المجتمع الإيراني، وحوالي 700 شخصية عربية وعالمية اعتبارية، ويأتي على رأس تلك الشخصيات الاعتبارية بالطبع الأمير تركي الفيصل، ومنهم عدد من نواب البرلمانات الأوروبية، وشخصيات أميركية عملت في حكومات سابقة، وكان لها دور في بلورة رؤى عملية للعمل المستقبلي.

 كما بيًنت تلك الشخصيات على سعة قبول المجتمع الدولي لفكرة خطورة الحكومة الإيرانية الحالية على السلم العالمي. والذي استمع وقرأ كلمات تلك الشخصيات يدرك زيف وادعاءات إيران ووتيرتها المتصاعدة لتدخل ولاية الفقيه في شؤون الآخرين وفي مختلف البلدان كسورية والعراق واليمن ولبنان والبحرين وغيرها، واستمراره في دعم وإشعال الحروب والمجازر في المنطقة. وقد قالت السيدة مريم رجوي زعيمة المعارضة إن سقوط ولاية الفقيه الحل الوحيد لإنقاذ إيران، وفشل حكومة إيران المتراكم والمستمر في الداخل الإيراني سبب في تورط إيران في حروب عبثية في سورية والعراق.

 والأمير تركي الفيصل بمشاركته وحديثه ينطلق من خبرات واسعة واطلاع وحسابات أظنها دقيقة،  فلم يكن ليجازف بالمشاركة والحديث لولا كل تلك الحيثيات.. كما تحدثت في المؤتمر شخصيات لها خبرات واسعة تدعم ما ذهب إليه الأمير تركي الفيصل، ومن تلك الشخصيات السيد فيليب كروالي مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق، الذي قال في كلمته إنه يجب التعاون مع الأنظمة المجاورة لإيران للوقوف في وجه الخطر الذي تشكله طهران، وأنه لا يمكن أن ننكر الدور الإيراني السيئ والمدمر في المنطقة خصوصاً ما نراه في العراق وسورية.

 كما تحدث السيد فريدريك انكل أستاذ العلاقات العامة والخبير السياسي وقال إن إيران كارثة في المنطقة ودورها في سورية كارثي، ولا يتوقع أن ما بذل من جهود لمواجهة المد الإيراني وتدخلاتها كافياً لوقفها عند حدها، وأن كل ما بذل فقط أقوال دون عمل جدي تواجه به إيران.. ويتضمن ذلك أيضاً ما تفعله الولايات المتحدة الأميركية التي لم تستطع الوقوف في وجه إيران ومنعها من عبثيتها في المنطقة.

 كما تحدث السيد مارك جينسبرج، السفير الأميركي السابق في المغرب والمستشار السابق للرئيس الأميركي لسياسات الشرق الأوسط الذي ربط أعمال إيران بأعمال داعش والقاعدة، ويعتقد أن إيران سبقت داعش والقاعدة اللتين تسيران على نهج إيران. وقال إن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لم يستطيعا مواجهة إيران ومنعها من دعم الإرهاب في المنطقة. كما تحدث في المؤتمر السيد ميتشل ريس رئيس مؤسسة كولونيال وليامبيرج في فيرجينيا، وهو مدير سابق للتخطيط السياسي في الولايات المتحدة، وذكر أن إيران تريد فرض سيطرتها بقوة في المنطقة بدلاً من تبني أعمال سلمية وطلب من الرئيس الأميركي القادم الوقوف بجانب الحلفاء وإيجاد بديل في إيران يضمن استقرار المنطقة.

وخلاصة القول أرى أن تعليق بعض المحسوبين على الثقافة على مشاركة الأمير تركي الفيصل غير دقيق ويفتقد بعد النظر والخبرة، هذه التعليقات غير مناسبة في ظروف حساسة تمر بها المنطقة، خصوصاً وأن الذين علقوا شخصيات محسوبة على ثقافتنا، وكما رأينا فهناك شخصيات لها دور كبير وخبرات واسعة اتفقت مع ما ذهب إليه الأمير تركي، بجانب أن الأمير تركي الفيصل مشهود له ببعد الرؤية لما يتمتع به من خبرات من خلال المناصب التي تقلدها والمنتديات النوعية العديدة والكثيرة جداً التي شارك فيها.