التسليم بنظرية المؤامرة وتعليق كل إخفاق على مشجبها يجراننا بالتبعية إلى تبرير كل فشل نمر به وبالتالي مواصلة الفشل، لكنَّ هذا في المقابل لا يعني أن نستبعد المؤامرة دائما، فهذا من شأنه ترك أسباب الإخفاق الحقيقية، وجلد الذات من دون وجه حق.

أقول هذا أمام مواجهة واحدة من أكبر المؤامرات التي حيكت ضد بلادنا، وسعى القائمون عليها إلى رميها بواحدة من أكثر التهم التي يمكن أن ترمى بها دولة إضرارا بمصالحها الوطنية، وضربا لاستقرارها وعلاقاتها الدولية في مقتل، مؤامرة برئت المملكة منها أخيرا، وما كان لها أن تتهم من الأساس، فحاشا بلادنا أن تكون راعية للإرهاب، وهي التي ما رعت إلا الإنسانية التي على مدار عقود وبلادنا تختصها من عوائدها بأوفر الحظ والنصيب، سواء في صورة مساعدات تقدم لجميع الدول على مستوى العالم عبر قائمة منظمات إنسانية وإغاثية تتصدر بلادنا قائمة مموليها، أو عبر الجسور الإغاثية السعودية التي ما يكاد أحدها يتوقف بعد إتمام مهامه حتى يبدأ آخر إثر كل كارثة تحل ببلد حولنا، أو هنا في بلاد الحرمين في صورة خدمات جليلة تقدمها بلادنا للأمة الإسلامية وللعالم الذي يشيد كل عام بتنظيمها للحج، وجهودها المتفردة في إدارة الحشود في ظروف آمنة بالتواصل مع المنظمات الصحية حول العالم.

ويبقى السؤال: من إذن زج بالمملكة في هذه التهمة البشعة التي تتنافى مع أي قيمة إنسانية، وتتنافى قبل ذلك مع تعاليم ديننا الحنيف الذي أسس عليه هذا الوطن؟ الإجابة جد واضحة، الفاعل هو العدو القديم الجديد الذي لا يتوقف عن نفث سمومه حولنا للإضرار بمصالحنا في كل اتجاه، لذا، وعلى الرغم من وجود قائمة طويلة من الجنسيات المنضمة إلى تنظيم القاعدة آنذاك، كان وجود 15 سعوديا مثلوا السواد الأعظم من منفذي العملية، كافيا لقيادة جميع الأنظار وأصابع الاتهام إلى المملكة التي كنت آنذاك تعاني هي الأخرى هجمات الإرهاب في الداخل وتواجه واحدة من أعتى هجماته، لكن الرأي العام الأميركي لم يكن يسمع بشأن هذه المعاناة، وكل ما عرفه الأميركيون وأسر الضحايا أن الذين اقترفوا هذه الجريمة الشنعاء سعوديون، ومن البديهي أن تسعى اليد التي دفعت في خط إضفاء الصبغة السعودية على العملية الإرهابية إلى تعزيز هذا الافتراض في الوجدان الجمعي للشعب الأميركي من خلال وسائل إعلام تحركها اليد نفسها من طهران من خلال جماعات ضغط إعلامي ذات صلة بالإعلام الأميركي والمنظمات المحركة للشارع الأميركي، بل وبعناصر في البيت الأبيض نفسه الذي كان موظفوه قبل أيام لا يتوقفون عن ترديد أن منفذي هجمات 11 سبتمبر كان معظمهم من السعوديين، الواقع الذي اختلف تماما بعد انبلاج وجه الحقيقة وإنصاف المملكة، وفق المتحدث باسم البيت الأبيض جوش إيرنست الذي أعلن قبل أيام أن مسؤولي المخابرات الأميركية انتهوا من فحص 28 ورقة سرية من التقرير الرسمي الخاص بهجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة، وأنها لا تظهر أي دليل على تلك الاتهامات. وأضاف المتحدث أن الصفحات الـ28 التي تم إرسالها إلى الكونجرس الأميركي، لا تحتوي على أي دليل جديد على أن السعودية لعبت دورا في هجمات 11 سبتمبر 2001.

وفي وقت اعتبر فيه عدد من أعضاء الكونجرس الأميركي في مجلسي النواب والشيوخ أن نشر الـ28 صفحة السرية يضع حداً لنظريات المؤامرة السعودية ضد الولايات المتحدة الأميركية، بعد اتخاذ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما قرار رفع السرية عن الصفحات وإظهار الصورة الحقيقية للمملكة، وإبراء لذمتنا من مطالبات أهالي الضحايا المتضررين من أحداث 11 سبتمبر تبقى نظرية المؤامرة الإيرانية قائمة، المؤامرة التي كلفتنا 14 عاما من الريبة والاتهامات التي ألقيت علينا جزافا، والممارسات غير اللائقة في المطارات الأميركية، وكأن كل سعودي يمشي بحزام ناسف في الحياة.

ولعل سائلا يسأل: وما علاقة إيران بتنظيم القاعدة؟ وهو سؤال في واقع الأمر قفز عليه واقع التنظيمات الإرهابية الذي نعيشه اليوم، والذي كشف عن نهايات طرفية تلتقي عندها عناصر المخابرات حول العالم مع مستويات من القيادة في هذه التنظيمات تدرك حقيقة أنها تنظيمات تتداول اللعبة السياسية مع بقية الأطراف حول العالم، وأنها أقرب ما تكون إلى جيوش صغيرة خارج القانون تدير المعارك بالوكالة بين القوى حول العالم، إن أصابع بعض المخابرات أجهزة مشبوهة تعرف جيدا كيف توجه هذه التنظيمات إلى الوجهات التي تريدها، فلا براءة في قواعد اللعبة على الإطلاق، سواء من قبل التنظيمات أو من قبل عناصر المخابرات المشبوهة. وإن كانت البداهة تقول إن السعودية لو كانت تريد الإضرار بالمصالح الأميركية على هذا النحو لكلفت نفسها على الأقل عناء استبعاد من يحملون الجنسية السعودية من هذا الهجوم، حتى لا تضع نفسها في مرمى الاتهامات، وهو الأمر الذي حرص عليه الطرف الإيراني الذي نجح في تشويه صورة المملكة في الشارع الأميركي على نحو غير مسبوق، وهو ما ينبغي أن يواجه بذات الطريقة حتى يصل صوتنا إلى العالم، فكم كان مؤسفا أن نتهم بأننا داعمون للإرهاب في وقت نتكبد فيه خسائر فادحة من أبنائنا ومقدراتنا من جرائره في معركة امتدت أكثر من عقد من الزمان، ولا أحد يدري عنا، وعدونا يبالغ في تشويه صورتنا، وتلميع صورته في البيت الأبيض والمجتمع الأميركي الذي يرى في الإسلام الإيراني الأنموذج الذي ينبغي أن يحتذى، بالطبع لأنه لم يسمع من قبل عن الحشد الشعبي، أو عناصر الحرس الثوري التي تنحر أطفال سورية من الوريد إلى الوريد، أو عناصر حزب الله التي تسعى إلى الهيمنة على مصير الشعب اللبناني بقوة البلطجة، أو عناصر الحوثي الذراع الإيرانية التي تضرب بالشرعية عرض الحائط في اليمن الشقيق وتسعى في خرابه، لفرض هيمنة طهران عليه.

لذا ينبغي أن نقدم أنفسنا للعالم على نحو يليق بنا، ويدافع عن قضايانا، ويظهر صورتنا الحقيقية كوطن آمن مسالم مستقر، متحضر، تربطه أمتن العلاقات مع المجتمع الدولي، لأنه قبلة كل مسلم، بل وكل مستثمر، ولأنه أيضا الخيار الأول لكل من يرغب من الدول الشقيقة في عيش حياة كريمة، ولا يعاديه سوى الأنظمة التي تغذي الإرهاب، والتنظيمات التي لا تعترف إلا بأيديولوجيا القتل والانتحار.