يعتبر الإنترنت أحد أبرز عطايا التكنولوجيا المتقدمة، فقد صار هو منبر العالم، حيث يتواصل البشر باختلاف أماكنهم وأزمانهم وأجناسهم وعقائدهم عبر وسائطه المتنوعة، ومنه ارتفع سقف الحوار في ساحات الإنترنت بلا حدود أدبية أو أخلاقية أو دينية، فقد ولج عوالمه الغامضة المصلحون والمفسدون والثوريون والمتطرفون والملحدون، وكذلك الراغبون في التزود علمياً أو مالياً.

 كما أنبتت ساحات الإنترنت فصائل وتنظيمات إجرامية يدار بعضها بواسطة أجهزة استخباراتية دولية، فيما ينضوي بعضها تحت إدارة بعض الساخطين ممن نقموا على مجتمعاتهم، إما بسبب تبني بعضهم للأصولية الدينية المتطرفة، والتي ظهرت بوادرها بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث ارتفع المد اليميني المتطرف في العالم أجمع، وهذا هو ما يفسر النزعة العنصرية عند بعض الأصوات السياسية في أوروبا وأميركا.

 ومن هنا فقد ارتفع منسوب الإرهاب وساح الدم في الجوامع والكنائس والمباني والشوارع في الشرق والغرب، وفي العالم الأول والعالم الثالث، ولم يعد القتل يفرق بين دين أو مذهب أو قريب أو بعيد، وأظن أنه لم يعد ممكناً السيطرة على مثل هذه الأعمال التي صار ينفذها أفراد حانقون يائسون يعتريهم الإحباط، وتحكم تصرفاتهم بعض الملوثات المخدرة أو بعض حالات الانفصام والأمراض العقلية.

لم يعد في إمكان الأجهزة الأمنية بكل ما أوتيت من درجات التحوط أن تمنع شخصاً ما من أن يرتكب حماقة دهس البشر بسيارة مسرعة وسط حشد من الناس لأن هذه النزعة، ونية الإقدام على التنفيذ لا يمكن أن يدركها أحد، وبالتالي لا يمكن رصدها والحيلولة دون الإقدام على فعل الجريمة التي خامرت عقله وحده، ولم يدر أحد بما قد خطط له داخل محيط عقله المحدود، وكذلك الحال مع أولئك الذين يتحزمون بالأحزمة الناسفة أو بعض من يقود سيارته وبحوزته سلاحه الفتاك، ثم يتجه إلى الموقع المستهدف.

 وهكذا فالأمر في ظني سيبقى على هذه الحال لفترة قد تطول لكن – مع ذلك - فإنه مازالت ممكنة السيطرة، ولو على نحو قليل على هذا المد العالمي المتطرف من خلال تحسين أوضاع المهاجرين والنازحين، وتقليل نزعة العنصرية من خلال تشديد القوانين في هذا الجانب، هذا إلى جانب التخفيف من غلواء التعصب الطائفي، وذلك عن طريق التحكم في تويتر وحجب المواقع المعززة لذلك، ورصد الأفراد الذين يتمترسون خلف بعض المعرفات الوهمية والأسماء المصطنعة، وسينفرج الأمر أكثر في منطقتنا عندما سيمكن الحد من عصف الرياح الداكنة والأدخنة السوداء التي تهب من "ولي الفقيه" وبعض أعوانه في المنطقة، والذين بلا شك أنهم قد أسهموا في نشر الفتنة الطائفية، والتي تظهر آثارها السيئة كما نرى في زيادة جرعة التحزب للمذهب على نحو لم نكن نعرفه قبل الثورة الإيرانية التعيسة.