طبيعة الإنسان تميل كثيرا إلى حب الاجتماع أو التجمع أو الدخول في جماعة، وهذه غريزة متأصلة فيه منذ الأزل، والأسرة بطبيعة الحال هي الكيان الأول الذي تغرس هذا الشعور وتنميه، والتي يلقى فيها الحماية والأمان والدعم والمساندة، ولا يقف الأمر عند هذا، بل يتعداه إلى دعم أكبر ومساندة قوية، وذلك عن طريق انتمائه القبلي، حيث تتبلور شخصيته وتتحدد مكانته في بيئته ومحيطه وفق النظام القبلي الذي ينتمي إليه الذي أحيانا يكون صارما في التمسك بعاداته ومورثاته، لا يريد المس بها على الإطلاق، لأنها تعني التفرد والتميز اللذين يعدان في وقتنا الحاضر عقدة حقيقية تمنع من الوصول للتطور والتقدم الذي يقوم في أساسه أولا على تهذيب شخصية الفرد عن طريق تنمية فكره بالعلم الذي يرفع مكانته ويعلو من شأنه. سوف أضرب هنا مثالين فقط ليكونا شاهدين على الحقيقة، لنأخذ قبائل الهنود الحمر في أميركا الذين عانوا الكثير من القتل والتشريد والاستغلال على يد رجال رعاة البقر الذين رسخوا لدى الكثير من الشعوب الأخرى من خلال أفلامهم، أن ما قاموا به ما هو إلا تغيير لوجه التاريخ المتخلف البدائي، فنهبوا أفضل أراضي هؤلاء القبائل ومراعيها بحروب مستعرة وحيل ماكرة وخادعة، والمثال الآخر هو ما حدث في أستراليا لشعب الأبورجنيز (Aborigines) السكان الأصليين الذي جرى خداعهم من قبل المستعمرين البريطانيين، تارة بإذكاء الصراع بينهم، وتارة بترويج المشروبات الكحولية، وتارة أخرى بتقديم الأموال إلى بعضهم مقابل الحصول على أرضيهم، كل هذا حصل بسبب عدم تطور هذه القبائل التي بقيت أسيرة لعاداتها، وذكر أمجادها وبطولتها التي تعتمد على وسائل بدائية فكانت فريسة سهلة استغلت أشد الاستغلال.

إن العيش في ثقافة القبيلة التي تدعو إلى التمسك ببعض الموروثات الجاهلية والتي تعطي صورة سلبية عن واقعنا والتي تدجن بشكل صارخ الصغير والكبير لن ترتقي بالتفكير ولا بتغيير نمط السلوك السائد الذي يقترن بالحمق والهمجية، بل سوف تجعله يعيش في عزلة تؤدي به إلى التخلف والتأخر في بلوغ المفهوم الحقيقي للتطور الحضاري المختلف الذي نلاحظه في هذا العالم.