ونحن نستعيد الذكرى المؤلمة لكارثة سيول جدة والقويزة قبل عام بالضبط، فإننا يجب أن نقف عند الدروس المستفادة والأسئلة التي لم تزل عالقة بانتظار إجابات.

المفترض أننا نحتفل اليوم بالعيد. لكن العيد العام الماضي كان قاتماً وقتامته تلقي بظلالها على عيدنا اليوم.

إن الفاجعة لم تخف لمجرد مرور 365 يوما. كارثة سيول جدة لم تزل قائمة ولم تنقض بانحسار المياه ولا بتعويض ذوي الشهداء ولا بتطور خطط الدفاع المدني. كارثة جدة قائمة طالما الفساد قائم وطالما هناك شبكات تصريف سيول على الورق فقط وطالما هناك اعتمادات خرافية لمشاريع هوائية في أي مكان من المملكة.

ونحن نحيي الذكرى السنوية الأولى للفاجعة فإننا نسترجع ذلك البيان الملكي الصاعق بلغته الحاسمة والقاطعة، ونحيي مطالبنا كمواطنين سعوديين للجنة التحقيق التي عهد إليها الملك بتقصي الحقيقة وتقديم الجاني للعدالة "كائناً من كان". مازلنا كمواطنين بانتظار نتائج التحقيقات من اللجنة ومن هيئة التحقيق والادعاء العام ومن الجهات ذات الشأن. ستبرد نار الغضب كثيراً حين يعرّف المسؤولون وينالون عقابهم.

ونحن نحيي الذكرى الأولى للفاجعة فإننا سنتذكر الضحايا.. سنتذكر الأبطال الذين ضحوا بحيواتهم لأجل أن يعيش آخرون أيضاً.. سعوديون وسواهم. سنتذكر مثلاً الشهيد الباكستاني (فرمان علي)، وسنجدد مطالبنا بأن يحمل شارع مهم في جدة اسمه. إن (شارع فرمان علي) يجب أن يوجد ليكون تذكاراً لكل من يطرقه وليتجنبه كل من يعرف أنه فاسد أو أن دم مظلوم معلق برقبته. نريد من أمانة جدة ميداناً ذا نصب تذكاري يخلد ذكرى المناسبة السوداء للأجيال القادمة. ولا يجدر أن يمانع أحد ثمة فكرته.. إلا من لا يريد أن يتذكر! لا يريد نصباً أو دواراً يقلق ضميره النائم.

نحن سنتذكر المكاسب أيضاً. والمكسب الأول لفاجعة جدة كان الناس.. الحراك الشعبي والمدني الذي انتفض ليعلن عن نفسه ويكرس وجوده في وجه الكارثة وفي وجه عقلية الممانعة والجمود. يوم غرقت جدة قبل عام انتفض شبابها وشاباتها لتقديم الغوث والمعونة والمساندة مادياً ومعنوياً. وأنت إذا قابلت واحداً من أبطال القويزة الآن فسيذكر لك بمرارة فادحة كيف كان يتم اعتراضه وسؤاله: معك تصريح؟! قبل عام كان أحدنا مطالباً بتقديم تصريح ليتطوع في حملة مباغتة لإنقاذ حياة الغير! اليوم تطور مفهوم العمل التطوعي، وهو ما يزال يحتاج لتطوير وتأطير وترسيخ شعبي. لكننا يسعنا أن نزعم أن الحراك المدني السعودي قد ولد من جديد يوم غرقت قويزة. ولد من رحم معاناة أهل جدة ومن ظهراني رجالها وشبابها الذين لم تجمعهم راية أي انتماء جهوي أو رسمي إلا الانتماء لجدة التي هي جزء من الوطن.

والحديث عن المجتمع المدني يجرنا لشجون مجلس جدة البلدي: ذي الأعضاء المعينين والمنتخبين. وهو مجلس ينقم عليه الجداويون كثيراً. من المؤسف أن مجلس جدة البلدي لم يجتمع مرة واحدة بالناس بعد الكارثة. وهي حقيقة مذهلة جداً بالنظر للدور المنتظر من هيئة حقوقية يفترض أن تمثل صوت الشعب لدى صانع القرار. هي فاجعة أخرى تضاف.. أو مكسب آخر.. لأن الجداوي بات يعرف أفضل الآن.. باتت عنده القدرة على أن يحدد رأيه حين تحين ساعة الاختيار والانتخاب مجدداً. كما أنه بات يعرف أنه غير مربوط بساقية الإنجاز البيروقراطي ولا المبادرة الرسمية، إنه يسعه أن ينظم جهده مع أقرانه ويقدم بذاته المجهود الشعبي الذي سيعود عليه وعلى باقي مجتمعه بالنفع.

ونحن نستعيد آلام ذاكرة جدة في يوم العيد هذا فإننا يجب أن نتذكر عبر وطننا الواسع أن "جدة" قد تكون أي مدينة سعودية أخرى. إن الفساد ليست له لهجة ولا فلوكلور ولا زي مناطقي محدد. يجب أن نتذكر أننا كلنا مسؤولون وكلنا معنيون. وأن الذين ستقدمهم لجنة تقصي حقائق قويزة للعدالة -كما ننتظر- هم في النهاية مواطنون مثلنا تماماً. إنهم لم يولدوا أشراراً، لكنهم اختاروا أن يكونوا كذلك.