تظاهرة ثقافية سنوية تعتلي جادة عكاظ، تأتي بالماضي وتجلبه إلى قلب الحاضر ليصدح في الأرجاء ويضج الطائف المأنوس بالشعر، والحكايات، وعبق الماضي، وأرواح القدامى تتسلل لتحل في المكان، فيتصل كل شيء باللحظة الفارقة والتاريخية والجمالية.

حدثان بدآ مختلفين ومبهجين وشكلا فارقا عن السنوات الماضية وهما عودة الحفلات الغنائية من خلال أول أمسية فنية بعد سنوات من الجفاف المسرحي الفني، وتدشين أكاديمية للشعر.

بالرغم من أني لم أتواجد في سوق عكاظ في تلك الليلة، ولا في كل السنوات التسع الماضية، إلا أن متابعة هذا الحدث وقراءة كل المعطيات التي برزت على السطح تشكلان دافعا للحديث عن سوق عكاظ وانطلاقته المختلفة. مختلف تماما سوق عكاظ في موسمه العاشر عن بقية المواسم الماضية، حيث إن نشاطه يقوم على فكرة وعمل مختلفين هذه المرة. فبالإضافة إلى أن سوق عكاظ قائم أساسا على قيمة معرفية هي المحافظة على الهوية الثقافية للمكان وإثرائها، إلا أن القائمين على هذا العمل الثقافي والذين يدفعون به إلى المقدمة -وعلى رأسهم الشاعر والأمير خالد الفيصل- عملوا على تحديثه بما يجعله مواكبا للعصر، ليس فقط لأنه أقيمت حفلة غنائية للفنان محمد عبده، بل لأن صفحة جديدة ستفتح مسارا مختلفا يُرضي تعطش الناس لآفاق ثقافية متنوعة. ولعلها بداية لتجديد وإعلان عن ثقافة جمالية وفنية وأدبية.

إن تدشين أكاديمية للشعر وعودة الحفلات الغنائية من خلال سوق عكاظ ينبغي أن يثمرا عن الاستمرار في تدشين الكثير من السياقات الفنية والمعرفية المشابهة، مثل المسارح والأنشطة الأهلية المدنية التي تضع الثقافة ضمن أولويات التنمية البشرية لدينا.

في كل مكان وفي كل محافظة من محافظات المملكة ينبغي أن يحظى الجميع بالتجديد وإيجاد الحلول الفعالة لتحريك عجلة التنمية الجمالية والثقافية. هذا يتطلب فتح أبواب وفرص للاستثمار الثقافي تتبناها الدولة لرسم دور حقيقي لتفعيل الثقافة الفنية الإنسانية في حياة الأفراد الذين فقدوا رابط الاتصال الجمالي الفني لسنوات عديدة.

إن تعزيز الانفتاح الفني يهذب ويرتقي بالإنسان، الحياة لمجرد الحياة لا تكفي، فالترفيه والجماليات يغذيان جانبا قويا من النفس البشرية، والانغلاق أشد ضراوة من عدو لدود على الإنسان، فما ضر لو حظي بالمسارح التي تمنحه شيئا من جمال الموسيقى، والأوبرا، والحفلات الغنائية وكل الفنون، كل هذا من صميم عمل وزارة الثقافة والإعلام وليس الأفراد.

مسؤولية الانتماء الحضاري ورفع المستوى الثقافي وتحريكه وإتاحته بطرق عديدة سوف تسهم في الاستثمار الثقافي وتحقيق التوازن الداخلي لإنسان هذا الوطن.