قبل 27 سنة، كان هناك لقاء جمع العلامة سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز "رحمه الله"، وأمير منطقة الرياض حينها سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، نقل فيها سماحته فكرة أن تخفَّف الأعباء عن كاهل الشباب في زواج يُجمع فيه بعض المساعدات لتُنفق على الشباب، ويتم تزويجهم، فبارك الملك -حفظه الله- هذه الخطوة في حينها، وناشد رجال الأعمال التعاون مع هذه الفكرة، ودعمها حتى رأينا مشروع ابن باز لمساعدة الشباب على الزواج، والذي يشرف عليه إخوة أفاضل.

نجح هذا المشروع، وانطلق يقدّم برامجه المتنوعة التي منها: الاستشارات الزوجية، والمحاضرات، وفتح التبرعات لإقامة مشروع وقفي، يخدم هذا التوجه المبارك.

رحم الله ابن باز، ووفّق الملك وأيده بنصره، فقد نُقلت هذه الفكرة إلى كثير من مناطق المملكة، منها الأحساء التي أخذت فكرتها تختلف قليلا عن مشروع ابن باز -رحمه الله- إلى الزواج الجماعي، وجمع الشباب والفتيات كلٌّ مع أقرانه في عرس ليوم واحد وليلة واحدة، تضم ما لا يقل عن 500 شاب وفتاة، يُحتفل فيها كل عام برعاية محافظ الأحساء، ومثل هذا في كل مناطق المملكة.

لقد جاءت فترة الصيف هذا العام، فوجدت نسخة مختلفة لكنها تفوّقت في إبداعها، وهي الجمعية الخيرية للزواج والتوجيه في جدة، والتي تحتفل بعد أيام بتزويج 1400 شاب وشابة في قاعة المؤتمرات الكبرى بجدة، وقمت بالاطلاع على مشاريعها وبرامجها، مما يجعلني أسجل مفخرة تعاونية بين رجال الأعمال من أهل اليُسر والغنى، وبين المتطوعين من القائمين على هذه الجمعية.

لقد علمت أن هناك برامج أخرى تُثري هذه الجمعية، وتقوم بالإشراف عليها، منها برامج التدريب بأشكال مختلفة، يلتقي فيها المدربون مع المقبلين على الزواج في دورة تأخذ 3 أيام أو تنقص، يتعلمون فيها جوانب الحوار والتعامل الأسري والمحادثة وأخلاقيات العلاقة الزوجية والتعاون، حتى إنك لتفرح بنتائجها التي تجري عليها الاستبانة بعد مضي عام أو عامين من الزواج.

ومن هذه البرامج البرنامج التطوعي لشباب جدة وغيرها من مناطق المملكة، الذين ينطلقون معا لإنجاح هذا الزواج الجماعي، كلٌّ حسب قدراته وطاقاته، لينهض مجتمع الخير والعطاء بلونٍ من ألوان التكاتف والتعاون.

كذلك برنامج تأثيث المساكن، والذي تشرف عليه الجمعيات، إذ يقوم رجال الأعمال بتقديم مختلف الأجهزة الكهربائية وغرف النوم والسجاد والأواني المنزلية إلى بيت العروسين، ليهنأ كل منهما بحياة سعيدة أشرفت عليها الجمعية.

ومما لفت انتباهي أيضا، الشراكة التوثيقية مع أكبر المجمعات التدريبية في هذا المجال، وهي جمعية مودّة بمكة المكرمة، والتي تضم نخبة من الاستشاريين من علماء النفس والاجتماع والعلم الشرعي، إذ يقدّمون بحوثا تخدم نجاح الشراكة الزواجية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية، وإطلاق ما يسمى ببرنامج الاستشارة الذي يعمل 18 ساعة لتلقي الاتصالات والاستشارات.

ويتفرغ لهذا العمل الجماعي أفاضل الخبراء في التربية وعلم الاجتماع والإفتاء. كل هذا جاء نتيجة اللّحمة الوطنية والتكاتف الذي حث عليه ديننا.

لقد قضيت وقتا وأنا أطلع على هذه المشاريع التي باركها ولاة الأمر في مناطق المملكة، من احتفاليات هنا وهناك خلال فترة الصيف، وعرس جماعي ناجح لمسته نتيجة إدراك رجال الأعمال قيمة المسؤولية الاجتماعية المنوطة بكل فرد في هذا المجتمع المتعاطف: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بالشباب، وكيف إذا كان يتحدد في بناء أسرة المجتمع الأولى "الزوج والزوجة".

وما أسعدني أكثر، هو شعور القطاع الخاص، إذ تبنّوا هذه المشاريع ودعموها، ابتغاء الأجر من الله عز وجل، وتحصين الشباب من الانحراف. وما قامت على هامش هذه المشاريع من برامج تدريبية خدمت هذه الجمعيات مثل "مودة" و"أسرتي" و"كافل" وغيرها، مما يشير إلى أن الخيرية في هذه الأمة حتى تقوم الساعة، كما أشار إلى ذلك المصطفى "صلى الله عليه وسلم".

بارك الله جهود العاملين في هذه الجمعيات، وشكرا لأمراء المناطق رعايتهم ودعمهم ورئاستهم الفخرية لمجالس إداراتها.