بين المشرف على كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة الدكتور عبدالله الشريف أن مشعر منى يشهد أكثر مناسك الحج من ذبح للهدي والأضاحي والإحلال من الإحرام ورمي الجمار، في ظل تكامل الخدمات التي وفرتها حكومة خادم الحرمين الشريفين.


خدمات عصرية

قال الشريف لـ"الوطن" لقد حظيت منى بمنظومة من الخدمات العصرية، أمنية وبلدية وصحية وخيرية ومواصلات واتصالات وشبكات مياه وصرفا وكهرباء ومؤنا وتوعية وتثقيفا ورعاية، ومن شواهد التطوير شبكات الطرق والأنفاق ووسائل النقل وقطار المشاعر وجسر الجمرات والخيام المضادة للحريق وإعمار سفوح الجبال والمجزرة الحديثة وغيرها من الخدمات المتكاملة.

وأضاف أن الحاج بعد الوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة يفيض منها إلى منى ‏صبيحة يوم النحر قبل شروق الشمس ملبيا حتى يصل الجمرات ‏فيرمي الجمرة الكبرى، وهي الموالية لمكة، بسبع حصيات، وبرميها تنقطع التلبية، ويشرع الحاج في التكبير، ثم يذبح الهدي ويحلق أو يقصر ويحل من إحرامه، وهذا هو التحلل الأول، يحل له به كل محظورات الإحرام من طيب ولبس وقص وحلق وغيرها إلا النساء، ولا حرج عليه إن قدم أو أخر، ثم يفيض إلى مكة ويطوف طواف الإفاضة، ويسعى من يلزمه السعي، وهو المتمتع أو المفرد والقارن الذي لم يسع مع طواف القدوم، وبعدها يتم حله مما حرم عليه وهذا هو التحلل الثاني.

ثم يعود الحاج إلى منى، ويبيت فيها ثلاث ليالي التشريق ويقيم بها أيامه، ويرمي الجمرات الثلاث الصغرى ثم ‏الوسطى ثم الكبرى بعد الزوال من كل يوم بسبع حصيات متتابعات يكبر مع كل واحدة، ثم ينحدر من منى إلى مكة، ‏ومن تعجل في يومين فلا إثم عليه، والتأخر أفضل اتباعا لسنة المصطفى ‏صلى الله عليه وسلم، ويطوف طواف الوداع قبل مغادرة مكة إلى بلده.

وأوضح أن منى ‏واد شرق مكة، ‏سمي بهذا الاسم لتمني آدم عليه السلام الجنة وهو فيه، وقيل لأن العرب تسمي المكان الذي تجتمع فيه منى، ‏وقيل لما يراق فيه من الدماء المشروعة في الحج، وقيل غير ذلك، كما سميت أيامه يوم النحر لنحر الهدي والأضاحي والتشريق لأن الناس يقدون اللحوم ويشرقونها في الشمس، وفي ذلك أقوال.


معالم تاريخية

أشار المشرف على كرسي الملك سلمان بن عبدالعزيز لدراسات تاريخ مكة المكرمة إلى أن من معالم منى الدينية والتاريخية الجمرات، حيث رجم الخليل الشيطان، فكانت سنة الرمي، وعليها بنت حكومة المملكة مأجورة جسر الجمرات العملاق الذي قضى على التزاحم والتدافع وسهل الرمي وأصبح من معالم منى المعمارية الحضارية، ومسجد الخيف مصلى النبي عليه السلام في عمارة سعودية حديثة عام 1407، ومسجد البيعة وهو مسجد أثري على مقربة من جمرة العقبة على كتف ممر الجسر ناحية مكة بناه الخليفة المنصور العباسي سنة 144 في شعب البيعة التي بايع فيها الأنصار رسول الله ‏صلى الله عليه وسلم على النصرة، ‏وقد أزيلت العقبة في عهد الملك سعود توسعة لطريق الجمرات، كما هذبت الجبال التي حول المسجد والشعب توسعة لمنطقة الجمرات حتى تستوعب ‏الأعداد الغفيرة من الحجاج‏، وأصبح المسجد بارزا للعيان، وفي منى قرين الثعالب قيل هو الذي ورد في قصة النبي مع ثقيف، وقيل ذاك موضع الميقات الذي في السيل الكبير، وبين منى ومزدلفة وادي محسر، قيل ‏سمي بذلك لأن فيل أبرهة حسر فيه ومنع من الدخول إلى مكة، وقيل هلك فيه على خلاف.


مسجد الكبش

أفاد الدكتور عبدالله الشريف بأن من الحوادث التاريخية التي وقعت في منى قصة إرادة إبراهيم الخليل ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام، تنفيذا لأمر ربه، ففداه الله بذبح عظيم، ‏وكان في منى مسجد أثري يسمى مسجد الكبش أو مسجد النحر، قيل كان في موضع الفداء، وقيل إن رسول الله ‏صلى الله وعليه وسلم نحر هديه في ذات الموضع على يسار الجمرات للصاعد إلى عرفات، وكان الناس يسمون ذلك الموضع من الجبل مجر الكبش، وفي منى انتزع قُصي بن كلاب الجد الأعلى للنبي أمر الإفاضة بالناس وأحقيته بمكة من خزاعة، فأضحى أمر مكة لقريش ونزلتها، وبها كانت بيعتا العقبة الأولى والثانية سنة 12 و13 للهجرة، كما أعلنت فيها سورة براءة ومنع المشركين من الحج سنة 9 للهجرة، وشهدت منى حجة الوداع للمصطفى عليه السلام سنة 10 من الهجرة، وأخذ الناس عنه مناسكهم فيها، وفي قول إن سورة النصر نزلت بمنى، فهي سورة التوديع كما كانت الحجة حجة الوداع، حيث نزل فيها بعرفة آية كمال الدين، وودع فيها النبي عليه السلام أصحابه، فدل كل ذلك على قرب أجله صلى الله عليه وسلم.