مصيبة أن نتحول إلى مجتمع فضائحي، المصيبة الأكبر أن نعيش هذا الهاجس المشاغب بانتظار فضيحة لأحدهم، كي ننشغل عن مشاكلنا المعتادة في الدخول إلى حياة الآخرين، وإعطاء أنفسنا الفرصة للفتوى والنصيحة وصولا إلى الشماتة وندب حظ المفضوح. التغيير السريع في النسق الاجتماعي الذي يواجه المملكة الآن، يجعل من كل شيء يظهر إلى السطح يحتاج منا إلى دراسة ووعي بما يحدث، لكني أستطيع القول إن البعض يتعامل مع أي مشكلة وكأنها نهاية العالم، وكأننا سنستيقظ في الغد ولن نجد أرضنا وأملاكنا وستختفي كل المتع التي يمكنها أن تشكل وتؤطر ثروتنا المستقبلية. يتعامل المواطن السعودي مع أي فضيحة وكأنها مساس شخصي له ولأسرته ولأقربائه أيضا! في معظم الأحيان لا يمكنه أن يتعامل بأي نوع من الحكمة مع أي قضية أخلاقية لكونها تمس الشرف، وهو متحفظ تماما نحو أعضاء الإنسان بألا تمس إلا بالطريقة الصحيحة، وأنه يجب على الجميع المحافظة عليها، كون عدم الاهتمام بها يثمر رائحة نتنة ويندرج ذلك على بقية القضايا، المهم أنه يلعب دورا محوريا في أي قضية، على اعتبار أنها مساس به، ولا يمكن له أن يتغافل عنها أو يغض البصر، واختيار تجاهل ما لا يدخل ضمن نطاق حدود هويته، فمجرد تغافله ربما يشعره بعظيم الجرم. المواطن الذي يقف ليساعد مصابا في حادث سيارة، والذي يسهم في كثير من الأحيان في دفع ما نقص عليك ريالا أو 10 ريالات عند محاسب البقالة، لا تتوقع منه أن يقرأ ويشاهد فضيحة مسربة لأحد ما ويقف دون أن يتفاعل مع الحدث. 

ليست المرة الأولى التي يمكن أن تظهر فضيحة لأحد من المشاهير، لكن الأمر الذي أريد أن أتحدث عنه هو مخاوفي أن نتحول كما هي بنية المجتمعات الغربية النفسية، تلك المفتونة بكل القصص الفاقعة والحكايات البليدة، وتمتعها بلذة لا حد لها ما إن تظهر صور لفنان شهير أو مطرب تم القبض عليه في وضع مريب أو مع امرأة غير زوجته، انشغال المجتمعات الغربية بالنقاط السوداء في حياة المشاهير، جميعنا يعلم تمام العلم أن ذلك يعود للنزعة الفردية التي تتمتع بها المجتمعات الغربية، فبدلا من قرض سير الأقرباء والقريبات كما نفعل في أمسياتنا وسهراتنا، يتحدث أفراد المجتمع عن المشاهير من السياسيين والفنانين وأبطال البرامج الكوميدية والقائمين على برامج الواقع. وسائل الإعلام في أميركا وغيرها لا تكبر إلا على مثل هذه الفضائح، ولا تزيد إعلاناتها الربحية إلا من فضائح المشاهير، لذا، فهي أول من تصفق لأي فضيحة مدوية لأي شخصية شهيرة.

مجتمعنا السعودي خلق شخصيات لم تكن شيئا مذكورا لتتولى مهام مسؤولية أن تكون مشهورة، إما بسبب "الإنستجرام" أو "السناب شات" وقبلها البرامج "اليوتيوبية". المجتمع كان يحتاج إلى من يرفه عنه، من يتحدث عن مشاكله بطريقة طريفة وساخرة وتخرجه من حالة عدم الرضا التي يعيشها، لذا، سعى عدد من الشباب الذين يعانون بطالة فكرية أو نفسية أو حتى مجتمعية، للاستفادة من فراغ مساحة وجود مشاهير يمكنك مشاهدتهم بسهولة ويسر، مشاهير ليسوا بحاجة إلى مهارة سيناريست أو مخرج أو أبطال يدفع الأجر لهم، الأمر سهل جدا، مجرد أن تضغط على زر جوالك فيحولك من نطاقك الحالي إلى نطاق رحب لا حدود له، تتحدث وتمثل وتغني وتقرأ موجز أخبارك بطريقتك الخاصة، وترتدي ملابس خادمات البيت في "إسكتش" لإضحاك متابعيك، وتنقل يوميات سفرك هنا وهناك وكل ما تقوم به ينقل برضاك الشخصي إلى متابعيك الذين يجدون أن مهمتك الأساسية أولا وأخيرا هي في إضحاكهم وإمتاعهم، ولا بأس من تمجيدك والتصفيق لك، فذلك ليس بالأمر المكلف، وهذه هي المشكلة الكبرى التي يعانيها المجتمع، الفراغ الكبير في وجود النجوم واتساع هذه المساحة جعلاه يطبل لأي مهرج يخرج له على شاشة جواله، ويتحول المهرج بعد أشهر إلى مفتٍ وأحيانا إلى مطرب! وبعدها يذهب إلى القنوات الفضائية ليحاول أن يتكسب المزيد من الشهرة، فيسقط في الفخ ويعود من جديد لشاشة جواله التي تتحول شيئا فشيئا أقرب لمحل تسويق بضاعات الموزعين والمندوبين.

قبل أيام ظهرت فضيحة لشاب لم أعرفه إلا بعد الفضيحة، ولم أعرف عن تفاصيل الفضيحة إلا من خلال الهاشتاق الذي تقوم مهام أعماله على نبش أعراض البشر في أغلب الأحيان، الفيديو اللاأخلاقي انتشر بسرعة فائقة، ويبدو أن الشاب، وكما علمت أنه من مشاهير برامج التواصل الاجتماعي، قد قام ببث المقطع المصور دون أن يكون في كامل وعيه، وقريبا سوف ينطفئ لهيب شرارة الشاب بعد هذا الفيديو، ولن يكون مقبولا مشاهدته بعد هذه الفضيحة التي تسبب هو بها، الأهم من ذلك، هل تتوقع عزيزي وعزيزتي القارئة أننا يمكن أن نتحول إلى مجتمع يقتات على فضائح الآخرين؟ أم أن على الجهات الحكومية التوصل لحل قاس يجرم التشهير أو بث مقاطع الفيديو اللاأخلاقية بصرامة تتناسب مع القضية؟