الأذن الجنوبية تنفتح على آخرها، عندما تسمع عبارة: "يقول أبو رزق"، لأن ما سيقوله أبو رزق سيكون شيئا مهما وغير عادي.
أبو رزق لمن لا يعرفه من غير الجنوبيين، هو شاعر وحكيم وراوٍ جنوبي شهير، ينتزع الكلمة من فم اللا معقول.
أقواله المأثورة وحكاياه ورواياته وقصائده، كلها تأخذ طابع الحكمة، لكنها ليست الحكمة الوعظية السطحية التي من الممكن أن يقولها معظم الناس، بل تلك الحكمة المبللة بماء الشعر، والمنطلقة في فضاء الدلالات التأويلية للألفاظ، وهي إلى ذلك، نتاج تجربة حياتية طويلة، جعلته يحظى بين العامة، بلقبه الشهير: حكيم زهران.
يقول أبو رزق في إحدى روائعه على اللحن الجنوبي الحزين المسمى بالمجالسي:
"كم حدي على صبر دايم
يا ليت ذا الصبر انا واهل الحجاز اقتسمناه
لا ريت مديون مثلي قلت يا رب تعينه
ما يرقد الليل ما هلا معك لا تنومه
والشيب بعد المود والوفا غير اسمي
تغير الوجه الأول وابتدا وجه غيره"
إضافة إلى شعره القليل المليء بالمضامين الإنسانية والفلسفية، يجلس أبو رزق على كرسي كبير من الأقوال التي يتناقلها الناس بسرعة البرق، وتنتشر في اللسان المجتمعي، حتى تغدو أمثالا تقال، في المواقف والأحداث.
هذا الشيخ "رحمه الله"، ترك خلفه مكتبة لسانية ومعرفية وفكرية وشعرية زاخرة بمرجان الكلام وياقوته، وما يحزن فعلا، أنني لم أقرأ حتى الآن مؤلفا واحدا، يحكي مسيرة هذا العقل، سوى مقتطفات قليلة ومختزلة، من أقوال وأشعار ومواقف، حفظتها بعض كتب تراث زهران والجنوب، ولكنها تذكره بشكل عابر، وهو العقل غير العابر.