الضجة التي ثارت على هامش مهرجان "ثويزا"، المقام في مدينة طنجة، والتي وصلتنا أصداؤها عبر الصورة والصوت والموقف، ليست إلا مشهدا دراماتيكيا وهزليا للكاتب المصري يوسف زيدان، الذي طالما رأينا فيه المثقف الرصين الجاد بين مؤلفاته "عزازيل"، و"محال"، و"دوامات التدين"، وغيرها من كتبه، كما أنه باحث في المخطوطات الإسلامية والتاريخية.

ليس صادما لنا ما حدث هناك، وليس مستغربا، فكل يوم نجد أن المثقف العربي في شأن مختلف، من أزمة إلى أزمة، ومن تغير إلى آخر، ومن سقطة إلى أخرى.

في المهرجان المتوسطي للثقافة الأمازيغية في مدينة طنجة، وأمام جمهور مغربي من المثقفين والمهتمين، الذين تهافتوا على الحضور وأخذ الصور التذكارية وتوقيع نجمهم الآتي من البعيد، تلقى هذا الجمهور صدمة خادشة لذهنه حول كثير من المعاني التي يؤمن بها بخصوص الثقافة والمثقفين، وبخصوص تاريخ راسخ لا يمكن المساس به، وهنا كانت الشرارة التي أشعلت الفتيل.

إن الإشكالات والارتباكات التي تحدث في مثل هذه المهرجانات، تضعنا أمام مواجهة صادمة مع كثير من الحقائق، ليس على سبيل المثال ما صرح به يوسف زيدان، بخصوص اللغة العربية وأصولها، بل وفي محاباته الفاضحة للأمازيغ، حين صرح بأنهم قاموا بتدوين اللغة العربية أيضا، فقط لأنه في حضرتهم وعلى مائدتهم.

إن هذه الواقعة تجعلنا أمام حقيقة يعيشها المجتمع العربي، وهي أن المثقف بات مرتبكا بما يكفي، مثلما أن المجتمع أيضا أصبح متطرفا في مواقفه، وحادا، ولا يمكن أن يمرر أشياء يُحدثها المثقف بشكل ما أو في مكان ما، بل إنه سيحاكمه ويدينه، وقد يقتله الصوت الجمعي والعقل الجمعي، وهذا ما حدث ليوسف زيدان الذي قامت قيامته هكذا من كلمات ألقى بها.

هذا هو حال المثقف العربي اليوم، حالة سوء، ومحاولة لعنجهية مرفوضة، كما أنه لا بد أن يعلم أنه ليس فنانا ليشعل سيجارته في ملتقى مثقفين، وليس نجما ليطالب بسيارة خاصة تقله إلى حيث ضيافته، وأعتقد أن هذا ما أراد أن يقوم به يوسف زيدان، ولم يحصل عليه.

كل هذا الضجيج الذي ضج به الإعلام، بعد سقطة تصريح تاريخي، وسقطة سيجارة عابرة، يجعلنا أمام ثقافة اختلاف مختلفة، وهي أن ثقافة الاختلاف لدينا تتجه فورا إلى الشخص وتجرده، ثم ترمي به في الهامش، حيث لم يكن لدى الجماهير تلك الفسحة الذهنية لاحترام وجهة نظر الآخر وسماعه ومناقشته، لشرحها بما هي عليه.

العقل الجمعي هنا يعمل بشكل حلزوني، بينما يعمل بشكل مستقيم تماما أمام سقطات السياسيين والنجوم في مجالي الفن والرياضة.

خصومتنا قائمة على التخوين الشخصي، ومستقاة من واقع يُسقط كل مفهوم للحوار أو التعاطي مع من يختلف معه تاريخيا.