??معظم الصراعات التي يعيشها الإنسان اليوم تدور حول تفسير المفاهيم ما بين رأي يتجه نحو اليمين ورأي يحدد مساره اليسار، ومن يقف في الوسط في غالب الأمر يكون منبوذا، فعالم اليوم لا يفضل الحياد أو الموضوعية أو التفسير الذي يعتمد على اللاتوجيه والمتحرر من سطوة الأفكار والمواقف السابقة.

بالنسبة لي فإن النظر لتلك المفاهيم بشكل متجرد عن المحيط وغارق في الذات هو المسلك الذي أرى فيه الطريق الذي بالإمكان أن يجد لنا تفسيرا مريحا ومقنعا مع الحفاظ على مبدأ رئيسي، وهو ألا يكون مفروضا ومجبرا على أحد.

الكيفية التي أرى بها الإنسان باعتباره الجزء والكل في ذات الوقت مفادها أن بناء المباني لا يكون إلا من خلال لبنات متعددة تكون مجتمعة هذا الشكل الهيكلي الكبير، فحجر واحد ناقص في زاوية من زواياه كفيل بأن يهد من أساساته.

الموسيقى التي تستطيع أن تجهش أحدنا بالبكاء لا يمكن لها أن تكون عملا فاسدا، فكيف للحن متناسق أن يكون سببا في القتل أو الضلال، أما الكلمات التي تصحبها في المقابل فهي القادرة على أن تحول هذا العمل الروحاني الجميل إلى دعوة للتدمير والتشتيت.

أما الحرية وهو المصطلح الذي لولاه لما اخترع الإنسان ولما ابتكر عقله ولما اكتشف بفطنته عظمة هذا الكون الفسيح، فأراه دون غيره المسار الذي بإمكاننا أن نعيد به تحديد مسار الإنسان وفق مبادئ وضعها القانون البشري، فالقانون هو نتيجة لعقل حر وضع آليات لضبط كل شيء، بما في ذلك الحرية ذاتها، ولكن باعتماد آليات العدل والحقوق لا وفق أهواء الغالب.

التاريخ كما ندرسه اليوم لا شك أنه مزيج من روايات وآراء وأقوال متواترة لا نعلم حقيقتها أو كذبها إلا من خلال ما يرغب الإنسان في أن يقنع به نفسه، فالأساطير التي سطرتها كتب الأقدمين يراها البعض حقيقة واقعة في الأزمنة الغابرة، بينما يراها آخرون مجرد تفسيرات لبشر لم يعرفوا آليات تفسير الوقائع إلا من خلال الخيال. وهنا سؤال: أليس كثيرا مما نقله لنا التاريخ يصعب على البعض تصديقه؟!

السياسة كانت وستبقى لعبة يستمتع بها الكبار في وقت الفراغ، وربما هي احتراف مهنة من أتاح له السلاح، فلم يفهم من أمر إدارة المجتمعات إلا أن يسيس كل شيء بعصا القوة وبجزرة العطاء، المحصلة تقول لي إن من سمات المفكر الإنسان "الجنون"، ومن سمات السياسي الإنسان "الكذب". لذلك أكثر من يخشاه السياسي المحتال مفكر لا تضبطه حسابات الربح والخسارة.