وجّه علماء مصريون انتقادات لاذعة إلى الدعوة التي أطلقها أستاذ الشريعة الإسلامية ومقارنة الأديان بجامعة الأزهر، الدكتور مصطفى راشد، خلال لقاء على قناة فضائية مصرية، بتخصيص رحلات لما وصفه بـ"الحج إلى جبل الطور بسيناء"، مؤكدة أن هذه الدعوة لا تتفق مع صحيح الدين.

وكان راشد أكد أنه اتفق مع شركة سياحية لتنظيم أول رحلة حج إلى جبل الطور في سيناء، في أول أسبوع من مارس المقبل، زاعما أن "التوقيت الذي تجلى فيه الله عز وجل وتحدث مع سيدنا موسى على جبل الطور يوافق مارس، وأن جبل الطور أعظم قدسية من مكة المكرمة، إذ إنه ذكر في القرآن الكريم أكثر من مرة، وأن بها مكان يدعى وادي مطلب، وهو المكان الذي كان يناجي فيه موسى ربه، لا يدعو فيه أحد بأي دعوة هناك لعظمة وشرف هذا المكان إلا واستجاب الله دعوته".


بحث عن الشهرة

يقول الدكتور حذيفة المسير، أستاذ أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، في تصريحات إلى "الوطن"، إن "لهذا الأمر أكثر من جانب، أوله أنه ليس كل ما يقال يدخل في إطار الكلام المعتبر، وبالتالي ليس كل صاحب رأي يستحق عناء الرد عليه. ويضيف المسير أن "مثل هذه الأقوال والفتاوى إنما تدل على انحراف فكر صاحبها، أو انسياق من يطلقها وراء البحث عن الشهرة، حتى لو كان ذلك على حساب الدين أو الثابت أو القيم، والحج في القرآن والسنة وعند علماء الشرع له معنى محدد، وهو قصد البيت الحرام بنية مخصوصة وبأفعال محددة في وقت محدد، وبالتالي فإن الحديث عن الحج إلى جبل الطور ليس حجا شرعيا، ولا يصح شرعا أن يتدخل الإنسان بعقله ليوازن بين ألوان العبادة المختلفة أو ليبتدع عبادة أخرى، فشأن العابد أن يفعل ما يأمره به المعبود، بمعنى أنه لا يصح أن يقول المرء مثلا إنه إذا كان الحج إلى جبل عرفة يغفر الذنوب، فسأحج إلى الهيمالايا أو التبت باعتبار أن صعودهما أكثر مشقة من الصعود إلى عرفة".

ويستطرد المسير، "الأمر الثاني أن صاحب الدعوة إلى الحج إلى جبل الطور ليس لديه من الفقه ما يستند إليه، فإذا كنا لا ننكر أن جبل الطور شهد حدثا جللا، حيث كلم الله سبحانه وتعالى نبيه موسى عنده، فإننا نؤكد في الوقت ذاته أنه لا يوجد في الشرع أو الدين أي عبادة تأمرنا بالذهاب إليه، ومن يرد الذهاب إليه فليذهب، ولكن دون الزعم بأن الذهاب إليه حج شرعي أو عبادة دينية أو أمر إلهي، فلا يوجد مانع شرعي من الذهاب إلى جبل الطور، لكن الاعتقاد بأن الذهاب إليه حج إنما هو اعتقاد يدل على خلل ديني عند صاحب هذا الاعتقاد".


 الكعبة والطور

ينفي الدكتور حذيفة المسير مزاعم راشد عن أن جبل الطور" أكثر قدسية من مكة والكعبة"، مضيفا أن "القدسية تستند إلى إرادة الله وحده، وإذا كان الله سبحانه وتعالى اصطفى جبل الطور ليكلم عنده نبيه موسى، فإنه اصطفى مكة، وبداخلها الكعبة".


 بدون سند شرعي

 قال الشيخ محمد كمال -أحد علماء الأزهر الشريف- في تصريحات إلى "الوطن"، إن "ما ورد في الفتوى لا أساس له من الصحة، وليس له أي سند في الكتاب أو السنة، وإجماع علماء المسلمين واضح ومحدد حول الأماكن التي تشد إليها الرحال، وهي ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد النبوي، والمسجد الأقصى، ولم يرد في الحديث الشريف جبل الطور في سيناء، مما يعني أنه لا تشد الرحال إليه".

وأشار الشيخ طه الدسوقي -من علماء الأزهر- إلى أن "طور سيناء جبل مبارك في سيناء، والوادي المقدس طوى إلى جانبه، ومنه انطلقت نبوة نبي الله موسى، عليه السلام، ودعوته، ولكنه لا يعلو على قدسية الكعبة المشرفة، ولا تشد إليه الرحال، ولا يجوز الحج إليه، ولا صحة لدعوته إلى الحج إلى سيناء، أو لما قاله من أن الحج إلى سيناء أعظم من الحج إلى مكة المكرمة، والحج معلوم مكانه وزمانه وعدته".


تهديد بالمقاضاة

يذكر أن تصريحات راشد أثارت أزمة على الهواء، إذ أجرى المحامي نبيه الوحش مداخلة تليفونية هدد فيها راشد بإقامة دعوى قضائية ضده، مؤكدا أن "مزاعم الحج إلى جبل الطور هي دعوة صهيونية، تستهدف إثارة البلبلة بين مصر والدول العربية والإسلامية، فضلا عن أنها تمثل إنكارا لما هو معلوم في الدين بالضرورة".