حين يكتب الراوي عن التاريخ والأجداد والحكايات البعيدة فهو حتما سيكون العراب والعراف والبطل الضمني. هكذا بدت الروائية فاطمة آل تيسان ابنة نجران وعرابة الرواية لتأخذنا في وادي المؤمنين هناك حيث حدثت قصص كثيرة، حيث أرض الأخدود والأزمنة الغابرة التي مرت من هناك، البشر الذين آمنوا والذين لم يؤمنوا، العابرون من هناك الذين نقشوا على الأرض وسما لحكايتهم التي مضت، فكان "وادي المؤمنين" حيث لا شيء يربط بين تلك الأمم غير محاولة البقاء أحياء، بينما كل يمضي بدينه وبمعتقده، يتجاورون المكان ذاته ويأكلون الطعام ذاته، يحرثون الحقول ويمضون مساءاتهم تحت ذات السماء، وليس بينهم وبين الآخر أية نزعة للدفع بهم ليكونوا على أية ملة. الجميع في وادي المؤمنين تجمعهم الأرض والتراب والشجر وتقاسم مشقة الحياة بسلام تام.

رواية "وادي المؤمنين" تحمل في ضمنها خارطة قديمة لمدينة لم تبق من قصصها الغابرة إلا ذلك الوسم البعيد الذي يجترح قلب المكان "الأخدود"، وعلى أن الرواية لم تقارب كثيرا هذا المعنى للأخدود ومؤمنيه الذين قضوا في أقسى حكم بشري إلا أنها تفوقت في اجتراح قصص القرى والموت وطقوس المكان، وكانت كافية لتعطي معنى واسعا للمتلقي لكل ما يعنيه تاريخ المكان ومن عاشوا فيه.

المكان كان البطل بلا منازع: "أعود حاملا زوادتي وبعضا من غربتي إلى الجنوب البعيد، حيث يرقد الغيم ويستفيق المطر"، ومنه تمكنت فاطمة آل تيسان من صنع عوالم عميقة ومتجلية لبشر حقيقيين، بدءا من صابر الذي أصبح اسمه يوسف، في رمزية عالية لمفهوم الهوية وتداخلها مع ما هو عرقي وديني. الهوية والدين هنا كمفهوم بدت البطل الثاني في السرد الروائي في وادي المؤمنين: "كانت قوانين اليهود في حيهم نافذة على الكل، بما فيها الالتزام بحضور تجمعاتهم الدينية، والتي يعتبرونها الهوية التي تميزهم عن الملل الأخرى وخاصة المسلمين..".

تسير الرواية في سياق متسارع يتداخل فيها السرد الحكائي بالأسطورة بالموت وبالناس العالقين في قلب وادي الرواية. تقول: "كانت الأسطورة تختلط بالحقيقة، لذلك لا يكذب الناس الرواية، بل يتشبثون بها كحقيقة واضحة، ولا يوجد من يتهكم أو يشكك في صدقها. كان اليقين بوجود قوة إلهية تسير الكون وتنعكس عليه هي جُل ما يؤمن به القروي المؤمن ويعكسه على طقوس حياته وموته ومعيشته".

تأخذ الرواية القارئ إلى حقبة تاريخية فاصلة تعايش فيها اليهود والمسلمين بسلام حقيقي، ولعل في قصة صابر وحياته مع أسرة يهودية ما يعطي معنى بعيدا لما كان عليه أهل القرى من إيمان بالإنسان وبالقيمة وبالرحمة جنبا إلى جنب مع إيمانهم بعقائدهم التي نشؤوا عليها، حيث يولد الأبناء وكتابهم وعقيدتهم بجانبهم، لا أحد يمضي إلى حيث قرية ما ليختار أن يكون يهوديا أو مسلما أو نصرانيا. الكل مؤمن بإله واحد في وادي المؤمنين، على الأقل في الوادي العظيم الذي سطر حكايات مؤمنيه وتاريخهم وقسوة حياتهم في الرواية المبدعة، المختلفة.