لم يستمر شهر عسل التوافق بين تنظيم القاعدة وتنظيم "داعش"، طويلا، إذا سرعان ما تحول التوافق الوقتي المبني على المصلحة الآنية إلى عداء جعل كلا من الطرفين في واد بعيد عن الآخر.


أسلوب الزرقاوي لعنة تصيب خطط بن لادن والظواهري

كان زعماء تنظيم القاعدة حذرين من "أبومصعب الزرقاوي" وهو أردني اعتنق التفكير "الجهادي"، عندما ظهر للمرة الأولى أمامهم في قندهار عام 1999 باحثا عن الدعم المالي.

رآه أسامة بن لادن وأيمن الظواهري حريصا جدا على إدانة المسلمين الآخرين، كاسبا بذلك أعداء من كل حدب وصوب، وكان أسلوبه بمثابة لعنة على خطتهم لتحرير أراضي المسلمين من السيطرة الغربية، الأمر الذي تطلّب تجنيد جبهة مسلمة ضد الولايات المتحدة.

الزرقاوي من جهته اكتشف أن الرجال غير مبالين أبدا ومتساهلون أمام الانحطاط الديني "حسب رؤيته"، فاتفقوا على أن يكونوا أصدقاء فقط لا أكثر ولا أقل.

أعطى زعماء القاعدة الزرقاوي تمويلا أوليا من أجل تأسيس مخيمه التدريبي الخاص به للمتطرفين من العراق والشام.

وآنذاك لم تستطع القاعدة أن ترفض فرصة من أجل تدريب المتطرفين في جزء من العالم، لا يوجد به سوى قلة من المشاركين معها، وحتى وإن كان ذلك يعد استثمارا خطرا.

عندما غزت الولايات المتحدة الأميركية أفغانستان، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، هرب الزرقاوي مع بعض من عناصر القاعدة إلى إيران، وبعد سماعه أخبارا تفيد أن أميركا ستغزو العراق قريبا، ومستلهما قصص الفاتح المسلم في العصور الوسطى، والذي أسقط الحملات الصليبية وحكم الأراضي بين الموصل وحلب، قام الزرقاوي بوضع خطة من أجل إعادة تأسيس الإمبراطورية الإسلامية، إذ سيُدمّر العراق بالكامل بعد الغزو الأميركي، وسيعيد إحياء الخلافة من حطامها.


الزرقاوي يتعاون مع رجال صدام لجر العراق إلى حرب أهلية

بدأ الزرقاوي تنفيذ خطته قبل وصول الأميركان، مرسلا عناصره إلى بغداد 2002، وعندما بدأت أميركا الغزو 2003، وتشتت الجيش العراقي، تعاون الزرقاوي مع الداعمين للنظام السابق لزعزعة استقرار الدولة، وجرّها إلى الحرب الأهلية الطائفية بين الأقليات السنّية والأكثرية الشيعية.

وشرح الزرقاوي إستراتيجيته في رسالة كتبها إلى زعماء تنظيم القاعدة عام 2004، بأنه "سيقوم بقتل المدنيين الشيعة لاستفزاز الأكثرية الشيعية كي ينتقموا من السُنة الذين حينها سيكونون مجبورين على الانضمام إلى الجهاديين ليحموا أنفسهم". شكّ تنظيم القاعدة في هذه الإستراتيجية وفي العقل الذي فكر فيها، لكنه كان بحاجة إلى عناصر داخل العراق.

لقد كان اتحادا من أجل المصلحة التي كان تنظيم القاعدة يستهدفها قريبا.

انتقد زعماء القاعدة الزرقاوي لقتله المدنيين، ونشر مقاطع الفيديو لعمليات الإعدام البشعة، وتذمروا قائلين إن مثل هذه الأساليب قد نفّرت القادة السنّة، وأصبح من المستحيل أن يتحالفوا معهم ضد الغزو الأميركي والحكومة الشيعية في بغداد.

وحذرت القاعدة أنه دون هذا الدعم، فإن الزرقاوي سيكون غير قادر على تأسيس دولة إسلامية، فما بالك بالخلافة!، كما قام تنظيم القاعدة بتحذير الزرقاوي من الإعلان عن الدولة حتى يستطيع الجهاديون إقناع الأميركان بالرحيل، فلن تنجح دولة ناشئة على أرض احتلتها أقوى جيوش العالم.


أبو مصعب يتجاهل تحذيرات القاعدة ويعلن تأسيس دولته

تجاهل الزرقاوي كل هذه التحذيرات، واستمر في الهجوم على المدنيين السنّة والشيعة، وأعلن عن الدولة الإسلامية التي كان على وشك تأسيسها.

وعندما قُتِل الزرقاوي على يد الأميركان صيف 2006، أعلن خليفته أن تنظيم القاعدة في العراق قد انتهى، وأن جنوده أصبحوا يقاتلون لمصلحة الدولة الإسلامية الجديدة في العراق.

غضب زعماء القاعدة، فلم يتم تبلغيهم مسبقا بتأسيس "داعش" التي قام زعماؤها بتهدئتهم عن طريق مبايعتهم مبايعة خاصة لأسامة بن لادن، لكن التنظيم استمّر بالتعريف عن نفسه علنا بأنه دولة مستقلة عن أي منظمة أخرى.

أما خلف الكواليس، فإن العلاقة أصبحت أكثر توترا، إذ طالب تنظيم القاعدة بالحصول على تقارير بشكل منتظم حول إدارة المقاتلين في "داعش"، وعرض تعيين مستشار يهتم بشؤون تقدم الدولة، لكن "داعش" تجاهلت ذلك وعدّته مجرد نصيحة فقط.

الأوقات الوحيدة التي لبّى فيها داعش رغبات تنظيم القاعدة، هي فيما يخص العمليات الخارجية، إذ رغب جنود الدولة الإسلامية بشدة في أن يمسكوا زمام أمور القتال في إيران والسعودية، وهو الأمر الذي رفضته القاعدة، وخضعت لهم الدولة الإسلامية مُكرهة.


الحرب السورية تقطع علاقات داعش والنصرة

عندما أصبحت الثورة السورية حربا أهلية عام 2011، أصدر تنظيم القاعدة أمرا لـ"داعش" بأن يرسل بعضا من عناصره إلى هناك حتى يبنوا خلية إرهابية.

جبهة النصرة –الجماعة السرية التابعة لـ"داعش"– تصرفت في البداية كـ"داعش" بتنفيذ الهجمات دون الاهتمام بالوفيات من المدنيين، ولكن مع مرور الوقت بدأت جبهة النصرة باتباع نصيحة قيادة القاعدة التي حذرت من قتل المدنيين السنّة، وأشارت عليهم أن ينضموا إلى الجهة المعارضة للحكم. كانت هذه الإستراتيجية مخالفة لخطة "داعش" التي تفيد باستقلاليتهم.

أدت الإستراتيجيات المتناقضة إلى انقطاع العلاقات بين "داعش" والنُصرة.

وبعد الفشل في ضم النصرة بهدوء أعلن قائد "داعش" أن النصرة كانت جماعة سرية تابعة لـ"داعش" منذ البداية، وأجاب قائد النصرة نافيا أنهم تحت سلطة "داعش"، وبايع الظواهري –زعيم تنظيم القاعدة– علنيا.

عندما أمر الظواهري "داعش" بأن تكون صلاحياتها موقوفة على الشؤون العراقية فحسب، رفضت الأخيرة ذلك، وكان رد الظواهري هو فصل القاعدة عن "داعش"، وعندها نفت "داعش" وجود أي تعاون بينهما منذ البداية.

وبعد عامين من الحروب الدموية، بعد أن أعلنت "داعش" نفسها خلافة، طالبت تنظيم القاعدة وجميع المسلمين الآخرين أن يتبعوا أوامرها.

من وقت لآخر، كان الظواهري –من باب محاولة إصلاح العلاقات- يقول إنه كان يرغب في أن يتعاون مع "داعش" لو كان موجودا في العراق، وكان يرفض الاعتراف بهذه الدولة الصغيرة كخلافة، كما أنه يرفض فكرة أنها جبهة لداعمي صدام السابق، فيما ترى "داعش" أن الظواهري فشل في تنظيم القاعدة مقارنة بالإنجازات التي حققتها الخلافة.

العداوة بين تنظيمي  القاعدة و"داعش" تلعب دورا على الصعيد العالمي. تنظم الدولة الهجمات وتحفز لها في الغرب، كي تنافس هجمات تنظيم القاعدة، إذ أصبح العالم يعاني بينما هذه العداوة مستمرة.