نعرف تماما العداء الإيراني التاريخي تجاه العراق، والعمل على الانتقام منه بعد الاجتياح الأميركي للعراق عام 2003.

لقد عملت إيران طوال الـ13 سنة الماضية على السيطرة على مفاصل القرار السياسي في العراق، عبر أحزاب وشخصيات مرتبطة مباشرة بطهران، واستغل النظام الإيراني بعض المرجعيات الدينية الشيعية في العراق لإنجاح مشروعه، ليس تجاه العراق فحسب بل والمنطقة العربية ككل.

ومن أهم الخطوات التي قام بها في الداخل العراقي، إشعال الفتنة الطائفية، وتكوين ميليشيات الموت التي تجاوز عددها في الوقت الراهن الخمسين ميليشيا، بمهمة وحيدة تتمثل في النفخ بطرق مختلفة ومتنوعة في نار المذهبية المقيتة، والقتل على الهوية.

هنا، لا بد من الاعتراف بأن دولنا العربية أهملت العراق بعد الغزو الأميركي، لأسباب ومبررات متنوعة، قد تكون صحيحة وقد لا تكون، وفي جميع الأحوال لسنا في هذا المقال بصدد البكاء على اللبن المسكوب، ولكنه درس لا ينبغي تجاوزه دون التعلم منه.

هذا الإهمال قابله استغلال إيراني ممنهج، لترسيخ التغلغل في الداخل العراقي، وإحكام السيطرة على مفاصل صنع القرار في البلاد، عبر سياسة الترغيب تارة والترهيب تارات أخرى.

إن من يمعن النظر في وضع العراق حاليا، يرى آثار العبث الإيراني في هذا البلد العربي الأصيل، شعبا وتاريخا وحضارة، فقد تم استنساخ الحرس الثوري وقوات البسيج والنزعة الطائفية الإيرانية، وتطبيقها في الداخل العراقي، تحت المسميات ذاتها في معظم الأحيان.

من هذا المنطلق، تجد طهران وعناصرها في الداخل العراقي لا يألون جهدا في محاربة وتهديد كل من يحاول إيقاظ العراق من غفلته هذه، وينقذه من مخلب الأيديولوجيا الإيرانية وسياساتها العدائية تجاه العرب، ويعيد هذه الدولة إلى حضنها العربي والعروبي الدافئ، بعد أن أصبحت أسيرة يد إجرامية تظاهرت بالبراءة والشفقة عليه.

في هذا الإطار، يأتي مخطط استهداف السفير السعودي في بغداد، ثامر السبهان، على يد العناصر الإرهابية والإجرامية في الداخل العراقي، سواء تلك التي ارتدت علانية رداء الطائفية المقيتة، أو من حاول الاختفاء خلف مناصب حكومية تدار من طهران وليس بغداد.

لقد انكشف هذا المخطط الإرهابي اللئيم الذي يستهدف قطع الطريق على أي محاولات سياسية ودبلوماسية عربية لإعادة العراق إلى عروبته، وتخليصه من سياسة الفرسنة المتبعة حاليا، وهدم كل الجسور التي امتدت من دول الخليج العربي نحو الأشقاء في العراق، عبر ممارسة هواية قديمة متجددة انتهجها النظام الإيراني ضد البعثات الدبلوماسية وأعضائها، منذ انتصار الثورة عام 1979، وتضرر من هذه السياسة الإرهابية كثير من الدول العربية والأجنبية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، عبر أكثر من 5 عمليات تستهدف الدبلوماسيين السعوديين داخل إيران وخارجها، نجحت يد الغدر في بعض منها في الوصول إلى أهدافها.

لم يحمل السفير السبهان سلاحا، ولم يمول الميليشيات الطائفية وفرق الموت المرتبطة بها، ولم يعزف على وتر المذهبية، بل مد يده إلى كل أطياف الشعب العراقي، شيعة وسنّة، عربا وأكرادا، مسلمين ومسيحيين وأيزيديين، بل قدم الدعم الإغاثي السعودي للمحتاجين من أبناء الشعب العراقي، لإيصال رسالة واضحة وجلية، بأن المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا تقف إلى جانب العراق بكل أطيافه ومكوناته الدينية والعرقية، وتمد يد العون والمساعدة إليه انطلاقا من واجبها الديني والقومي والإنساني.

هنا، يجب القول إن مثل هذا التوجه السعودي الأخوي تجاه الأشقاء في العراق، يشكل تهديدا حقيقيا للمشروع الإيراني تجاه العراق، ويبدد الصورة الظلامية التي رسمها مناصروه في وسائل الإعلام المختلفة، وعبر التصريحات الرسمية وشبه الرسمية عن الدول العربية، وعلى رأسها السعودية.

فعندما يرى الشعب العراقي حقيقة الموقف السعودي الأخوي، فإنه سيبدأ بالمقارنة بشكل تلقائي بين ما تقوم به طهران في الداخل العراقي من تدخل عسكري وميليشي، وإثارة للنعرات وسيطرة كاملة على القرار السياسي، وتحويل العراق إلى سوق ضخم للمنتجات الإيرانية الرديئة، وبين ما تقدمه الرياض في العلن خدمة للعراق والعراقيين، ودون أجندات مخفية، وعليه سيصل في نهاية المطاف إلى التفريق بين من تم تلميعه وتقديمه كمنقذ وحيد للعراق، وبين من يسعى إلى صنع عراق أفضل لشعبه ومنطقته وأمته العربية، دون التدخل في شأنه الداخلي، ودون الانتصار لفئة أو انتماء مذهبي أو عرقي على حساب الآخر.

في نهاية المطاف، نحن على يقين -بإذن الله- بأن فضح مخطط الغدر بالسفير السبهان، واتهام جهة معينة لإشعال الطائفية، والخروج من مسرح الجريمة منتصرا، سيزيد من استيعاب الشعب العراقي لما يدور حوله والمخططات التي تستهدف عروبته ووحدة أراضيه ونسيجه الاجتماعي، وسيقوده نحو نبذ من يقف خلف المخططات الإجرامية التي تستغل الأراضي العراقية لتصفية حسابات سياسية بطرق جبانة وغادرة.

حفظ الله العراق وأهله وأعاده إلى أمته العربية وانتمائه التاريخي.