يتساءل الكثيرون عن الطرف الثالث الذي كان أهم نتائج الاجتماع المشترك لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ووزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري ووزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط توبايس ألوود، والذي عُقد في جدة الخميس قبل الماضي.

الطرف الثالث لقي كل هذه الأهمية لدى المهتمين والمتتبعين للشأن اليمني في مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وعلى القنوات التلفزيونية المختلفة ووسائل الإعلام الإلكتروني، بيد أن الجميع عجز عن كشف ماهية ذلك الطرف ومكوناته.

افترض وزير الخارجية الأميركية جون كيري "طرفا ثالثا"، بغرض تسليم الأسلحة الخاصة بالجيش اليمني، التي استولت عليها الميليشيات في الحادي والعشرين من سبتمبر 2014 وسخرتها لقتل أبناء الشعب، وأدخلت اليمن في دوامة ليس لها أول ولا آخر.

نزع السلاح الثقيل هو أولى خطوات الحل اليمني لأنه السبب الرئيسي فيما حصل، وإذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا، لاستذكار بداية الحروب والصراعات السابقة بين مراكز النفوذ العسكرية إبان فترة علي عبدالله صالح، لوجدنا أن فتيل تلك الحروب هو محاولة الرجل فرض وجه جديد على تلك الأطراف ممثلا في نجله أحمد، القائد السابق لقوات الحرس الجمهوري، وهي أقوى التشكيلات العسكرية اليمنية التي جهزت بصورة نموذجية، خلافا لبقية التشكيلات العسكرية المتناثرة في أرجاء البلاد.

والسؤال الطبيعي والمتكرر: من هو ذلك الطرف الذي ستسلم له أسلحة الجيش اليمني المنهوبة؟ هل ستكون قوات أممية مشتركة تعمل على فرض واقع جديد لحل النزاع القائم بين المكونات اليمنية؟ أم أن الطرف الثالث سيكون مزيجا من القوى المتناحرة، سواء في قوى الشرعية التي يمثلها الرئيس هادي وحلفاؤه، أو قوى الحوثي وصالح وشركاؤهما في الانقلاب.

في كلتا الحالتين أظن ومن وجهة نظر شخصية بأن الفجوة ستتسع، أعني فجوة الصراع القائم بين القوى السياسية المتنازعة، لأن الساحة أصبحت ممتلئة بالسلاح المنهوب من مخازن الدولة، ومن الصعب على قوات حفظ السلام -إن جاز لنا أن نطلق عليها هذه التسمية- الدخول في معمعة غير مضمونة العواقب، حتى وإن كانت تحت غطاء دولي أو أممي، فالميليشيات ذاتها ضربت بالقرار الأممي عرض الحائط، وما زالت تمارس هواية القتل في بعض المحافظات اليمنية علنا، دون أن يحرك مجلس الأمن أو المجتمع الدولي ساكنا تجاه تلك التصرفات.

وفي الخيار الثاني المتمثل في تسليم السلاح إلى خليط عسكري ممثل لأطراف الصراع اليمني، فالمصيبة تبدو أعظم، وتؤصل إلى حرب طويلة الأمد إذا ما تم ذلك، نتيجة للاحتقان الذي سببته السنين السابقة، خصوصا الملف الجنوبي في اليمن.

لا خيار سوى أن يكون المجتمع الدولي هو الطرف الثالث، والضرب بيد من حديد تجاه ما تقوم به تلك الميليشيات، ومنح المزيد من الدعم للجيش الوطني الذي شارف على أسوار صنعاء، ومع كل يوم يشهد تقدما ملحوظا في كسب المزيد من المعارك.

معركة صنعاء هي الفصل الأخير من هذا المشهد المأساوي الذي أوصل الشعب اليمني إلى ما وصل إليه، وإذا ما تم تحرير صنعاء فبكل تأكيد فإن زمام الأمور ستصبح مستتبة على الرغم من التكاليف الكبيرة التي سيسببها اقتحام العاصمة اليمنية، إلا أن الانقلابيين لم يتركوا للمجتمع الدولي خيارا سوى ذلك.

وعودا على ذي بدء، فإن الوصول إلى الطرف الثالث قد يبدو محيرا ومتعبا في ظل انعدام الخيارات الحقيقية مع تورط المكونات السياسية اليمنية المختلفة في حروب شتى لم يقف بها أمد.