حتى الآن لا نزال النموذج الأسوأ في طريقة تعاطينا مع وسائل التواصل الاجتماعي، وقبل ظهور مثل هذه القنوات السهلة والبسيطة، كنا أكثر السيئين في استخدام الاتصالات مع البرامج العربية التي تذاع على الهواء مباشرة، إذاً هناك إشكالية واضحة وبينة، في طريقة تعاطي الشباب من الجنسين مع البرامج التي يتاح لهم فيها إبداء آرائهم، إنهم يسقطون في وحل البذاءة والخوف من نجاح الآخرين، وأحيانا الحسد من قدرة غيرهم على الظهور وممارسة الحياة التي تختلف تماما عن حياتهم المعاشة، فلا يجدون مهربا من قسوة المصير سوى بالإدانة وبشدة وبأي طريقة كانت، حتى لو جاءت مثل هذه الإدانة عن طريق السقوط عبر السلالم المكسورة في قاع مظلم وقذر.

اعتاد الشباب أن يمارسوا حريتهم في لسانهم، يخلقون لأنفسهم حالات غير عصرية من التصادم بينهم وبين من يختلف عنهم، ليس فقط في المظهر وإنما في قدرة الآخر على تجاوز ما لم يستطيعوا هم أن يتجاوزه، إذاً المشكلة تأتي من العجز، عجز الصارخين عن تحقيق أحلامهم، عن تجاوز أعراف القبيلة، عن الخروج من واجهات المنازل والمباني، ذلك النسيج الغامض فكريا هو السبب الأول في عنصرية الطرف الآخر، عبر طريقة تعبيره عن الفكرة التي يدافع عنها، عن المبدأ العام الذي لا يتعلق فقط به، وإنما يقترن بحالة خاصة لمجتمع محافظ، يهرب الكثير من المثقفين والإعلاميين من الدخول في مهاترات مع جمهور لا يتسع فكره لقبول أي ردّ مخالف، الأمر كذلك مع بعض المثقفين الذين يحاولون التسلق على ظهور زملائهم بالنيل منهم، لكن الجمهور -ويا للخيبة- ما إن يتولى قضية حتى إنه يبطش من دون حدود، يقاتل في معظم الأحيان عن الفكرة وهو لا يدرك أبداً بقية أركانها وتفاصيلها، لهذا، من المحزن ألا تتسع ثقافة الكثيرين والكثيرات لأي وجهة نظر أخرى، على الأخص إذا جاءت من شخص يتمتع بحرية أكبر وبجماهيرية ومعرفة، هنا يبدأ الشباب في الصراع والحرب دون رؤى صائبة، وفي الطعن في الخصم بدلاً من محاولة التقارب المعرفي معه، في الحقيقة هم لا يريدون رتق الثقوب المفتوحة، إنما يريدون اتساع الشق لا غير. من المحزن ما أراه اليوم من محاولة التكسب الفاشلة من التصادم ليس تجاه المجتمع فقط، وإنما للأفراد بسبب وجود مساحة للتعبير، يمكن لك أن تظهر باسم وصورة مستعارين، ويكفل لك الإنترنت حق البذخ في شتم أي طرف آخر لا يتفق مع توجهك الفكري.

كل يوم أتصفح عددا من "الهاشتاقات" عبر برنامج "تويتر"، لا يمكن أن يفهم الكثيرون أن بعضها مصاغة بهدف خلخلة المجتمع السعودي، لهذا، الكثير من العقلاء لا يشاركون بها، لأنهم لا يرغبون في الخوض في معارك فاشلة مع أشخاص يديرون حياتهم عبر الفضاء، فحياتهم مليئة بالكثير من القضايا، وهذا ما لا أراه صائبا في الوقت الحالي. على الكثير أن يتحلوا بالشجاعة الكافية لإيضاح الكثير من الأفكار التي يندفع إليها الشباب ولا يدركون أنهم في الحقيقة يتحولون إلى أداة مسيسة ضد وطنهم، لا يعون مدى حاجة وطنهم إليهم في الوقت الراهن، وبالذات إننا الآن نعيش أياما مباركة في العشرة الأولى من ذي الحجة، والكثير ينظرون إلى المملكة بمنظار وعدسة مكبرة نحو أي خطأ يمكن أن يحدث خلال موسم الحج، هذا المحفل السنوي الذي تديره الحكومة السعودية بجد واجتهاد، فبدلاً من التكاتف لمد يد العون لكل الذين يعملون في الحكومة، مساهمة منهم في نجاح شعيرة الحج، يبدؤون في تهميش دورها بأكثر الطرق خباثة، والخوض في أفكار هدفها الأول والأخير تمزيق اللحمة الوطنية، ودس السم في العسل.

لقد قمت بالتحدث مع مشاركة في "هاشتاق" لا أودّ أن أكتب اسمه، لأنني لا يمكن أن أكون ضده بشكل كامل، كما أنني لست مع الكثير من الأفكار المطروحة، فبعد حديث استمر ساعة كاملة مع فتاة شابة يانعة، كانت تلومني أنني كتبت أن هروب الفتاة من أهلها عار، فقالت لي: العار يقع على الأب الذي لم يحترم ابنته؟ فسألتها إن كانت تعرف أبعاد قصة أي فتاة هاربة؟ فأجابت بالنفي، وسألتها إن أصبحتِ يوماً ما أمّاً وبعد معاناة في تربيتها، تتخلى ابنتها عنها فكيف سيكون شعورها؟ فأجابتني أنها سعيدة جداً بوالدها، ولكنها ضد أي عنف تتلقاه الفتاة في المجتمع، إلى هنا والفتاة تتكلم عن مشاعرها بشكل سليم، أنها لا تفكر بذاتها شخصيا، إنما هي تملك الحس المتزن إلى حد ما في محاولة إيجاد حل لأي فتاة تواجه مصيرا بائسا مع أسرتها. الغريب أن هذه الفتاة كانت مشكلتها الرئيسية ومشاركتها في هذا "الهاشتاق"، أنها تجد أن بعض قوانين الجامعة لا تصب في مصلحة الطالبة، على سبيل المثال إذا أرادت الخروج من الجامعة فلا بد أن يكون ببطاقة وتصريح، وإذا أرادت أن تذهب إلى رحلة مع الجامعة فلا بد من موافقة ولي أمرها، أنا أتفق معها أن قوانين الجامعات في السعودية مبالغ جدا في شروطها، لكن الحقيقة أن المجتمع والحكومة أيضا لا يريدان أن يتحملا أي مشكلة مع أسرة أي فتاة، فأي مخالفة يمكن أن تحدث من قبل الجامعة أو من إدارة الجوازات أو أي وزارة أخرى، يمكن لولي الأمر أن يتقدم بشكوى ويكسبها بحجة عدم موافقته، فإذا كانت أسرتك غير موافقة على هذا الأمر فالأعطال ليست من شأن الحكومة، كل ما عليك هو أن تردمي الشق بينك وبين أسرتك لتحصلي على كل ما تطلبينه، والمشكلة العظمى أن الشباب من الجنسين يريدون من الحكومة أن تتدخل حتى في علاقتهم مع أسرهم، وهذا ما لا يمكن له أن يحدث. أتفق تماما على أن تتغير الكثير من القوانين الخاصة بالمطلقات والأرامل والسجينات، ثمة قوانين تحتاج إلى تغيير فعلا، لكن ما يتعلق بالفتاة عليها أن تقوم بمواجهتها بشكل مباشر مع أسرتها، حتى تحصل على الحرية التي لن تقدم إلا من خلال هذه الأسرة.

إنها مجرد وجهة نظر، إذا لم يعجبك رأي لا تقذفني، وأيضا لا تقذف الحكومة معي، ولكن حاول أن تعيد تأطير إشكالية آرائك، فالحكومة لن تتدخل في مساحة حريتك طالما أسرتك قد منحتها لك.