أعرف سلفا أنه ليس للمتقاعدين وزارة، حتى وإن كانوا يتجاوزن 5% من تعداد السكان، حيث يبلغون مليونا ومئة ألف متقاعد ومتقاعدة، حسب إحصاءات مصلحتي التقاعد والتأمينات الاجتماعية، ويتجاوزون بكثير هذا العدد إن أخذنا معهم المستفيدين، وهم ورثة المتقاعدين، ويزيدون كل عام بقرابة الـ80 متقاعدا ومتقاعدة، سواء بالتقاعد المبكر أو النظامي بالعمر والخدمة، وهذا في القطاع العام (المدني والعسكري) والقطاع الخاص والأهلي، وبقي المتقاعد أسير أحزانه ومقيدا بطموحاته سواء من الدولة -أعزها الله- التي لن تقصر في إحداث قيمة إضافية له لو رفع لها المخلصون من أصحاب القرار المعنيين بالأمر مقترحا يساعد المتقاعد المحتاج أو يعيد استثمار خبرة وتأهيل المتقاعد الفاعل، كذلك كان المتقاعد ينتظر من المجتمع أن يوصل صوته بشيء من الواقعية ويسلط الضوء عليه، دون الحاجة إلى وصف المتقاعدين بالدلوعين والفقراء حتى لا نعجز الدولة بتأمين احتياجاتهم أو التصوير للقيادة بأنهم مكتفون وقادرون، وليست لهم حقوق إلا تأمين مثواهم الأخير بعد أن يعيشوا الحرمان وعدم التقدير وتجاهل اللبنات الأساسية التي أسهموا ببنائها في نهضة هذا البلد الكريم الذي حفظ قادته لأهله التقدير والاحترام والعرفان بالجهود، وبقي تقدير من سيؤلمه وضع التقاعد بعد ترك الكرسي.
في ظل ذلك كله قامت فكرة إنشاء جمعية المتقاعدين الوطنية ووصمت بالخيرية، وهو الهدف الذي لا يمثل إلا جزءا يسيرا من استراتيجيتها، ولكن لعدم وجود مظلة تحتضن انطلاقتها ومع ذلك تشكلت بقوة وبعناصر رائعة في دورتها الأولى وبمجلس استشاري مهني ونخبوي وانطلقت بعدد من التطلعات انتهت إلى لا شيء بعد انتهاء الدورة الأولى، وحتى هذا الوقت لم تحقق تلك الجمعية ما يسر المتقاعد في دورتيها الثانية والثالثة، وكذلك مع مجلسها المعين الذي حظي بالتقدير لأشخاصه والانتقاد لقوقعته، وعدم صدور ما يسُر عنه، وهذا كله في غياب شبه تام من الوزارة المعنية التي فرحت بأن الأمر والنهي للجمعية العمومية التي لا يُعد جدول أعمالها إلا بما يراه الرئيس المنتخب أو المعين، وقد نلتمس العذر للتشكيل الجديد لغياب الخلفية السابقة عنهم أو تغييب المعلومة بالقصد عن أذهانهم أو تشويهها، وترهلت الجمعية كثيرا وأصبحت بيئة عمل وتطوع طاردة وفقد الأمل إلا من الله في إعادة الروح لها إلا أن يقيض الله مرجعها الجديد الذي سيحول وكالتها من الرعوية إلى التنموية، ومن الاحتياج إلى الإنتاج، ومن الضمان إلى الأمان، وذلك بمتابعة وزير العمل والتنمية الاجتماعية، وقيادات التنمية الاجتماعية الذين نلمس حرصهم ودعمهم، ولكن الحمل ثقيل عليهم.
واليوم لعلنا نعيد قراءة المشهد من جديد، ونأمل في اهتمام خاص بسيدة مؤسسات المجتمع المدني وبيت الخبرة وأرض الخبراء جمعية المتقاعدين الأهلية، ونركز في ذلك على جوانب رئيسية في مستقبلها ومستقبل المتقاعدين وأطرح ما يلي:
1 / طرح قبل ثلاثة أشهر مشروع تكافلي تقاعدي وقدم للوزير، ويساهم فيه المتقاعد والدولة والقطاع الخاص، وتتولى الإشراف عليه الوزارة وتنفذه في مدن ومحافظات المملكة الجمعية وفروعها، وفق آلية دقيقة ستوجد مراكز خدمية وترفيهية واجتماعية وطبية ورياضية للمتقاعدين، وفي غضون خمس سنوات سيرى المتقاعد والدولة والمجتمع كيف أصبح الحال عليه، متطلعين لأن تتبنى الوزارة هذا المقترح ويعاد عرضه وتشكيل فريق عمل خاص به.
2 / في ظل تعثر السنوات السبع وقيام مجلس إدارة موحد بالإشراف على فروع الجمعية وتنشيطها وتفعيلها وجذب الآلاف من المتقاعدين إليها فإن الحل الأفضل الآن أن يستقل كل فرع بذاته ويكون جمعية أهلية مستقلة للمتقاعدين وهو ما يجري استطلاع الرأي فيه لأن السنوات الإحدى عشرة لم تستقطب إلا ما دون 1% من عدد المتقاعدين بالرغم من تعاقب مجالس إدارة منتخبة ومعينة، ولكن غلبت فيها الأنا على المصلحة العامة ولم يتحقق إنجاز يخدم المتقاعدين حتى الآن.
3 / إعادة دراسة الاحتياجات الضرورية للمتقاعد التي رفعت في الدورة الأولى، والمطالبة بها حسب الأهمية وإمكانية التحقيق، ووفق دراسات إحصائية وميدانية تتوافق مع ارتفاع معدلات التضخم التي أضرت بالمتقاعد تحديدا، وضرورة وجود علاوة سنوية لراتبه حتى يتواكب مع ارتفاع الأسعار، وظروف المعيشة، والمساواة في الحد الأدنى للراتب بين المتقاعد والموظف، وفق ضوابط لسنوات الخدمة حتى لا يصبح التقاعد مطلبا مبكرا للموظف.
ختاماً.. للمتقاعدين أمل كبير في وزير العمل والتنمية الاجتماعية أن يولي جمعيتهم عناية خاصة.